لكي نبحث في هذه الأشياء الأخيرة سنخترع مفهوم «جسمي». فنقول إن موضوعا من بين الموضوعات الفيزيائية يسمى «جسمي» يتأثر سببيا بالأشياء الفيزيائية الأخرى، وتكون له نتيجة لذلك حالة فسيولوجية خاصة، فحيثما كان هناك شيء موضوعي ورد في اليوميات كان «جسمي» في حالة معينة . ولكنه قد يكون في هذه الحالة حتى لو لم يكن هناك شيء موضوعي. وفي هذه الحالة الأخيرة نتحدث عن شيء ذاتي. وعلى ذلك فإن الأشياء الذاتية. وإن لم تكن واقعية، تدل على أشياء واقعية من نوع آخر؛ فهي تدل على حالات لجسمي.
هذه العبارة الأخيرة تبدو أشبه بمغالطة منطقية: فإذا كان هناك شيء غير موجود يدل على شيء موجود. فلا بد أن يكون بدوره موجودا. ولا بد لكي نتغلب على هذه المفارقة من أن نصوغ استدلالاتنا بصورة أدق. وهذا ما يتحقق بالرجوع إلى الجمل الواردة في اليوميات؛ فقد رأينا أن هذه الجمل ليست كلها صحيحة موضوعيا. والآن نجد أنه إذا لم تكن إحدى جمل التقرير صحيحة موضوعيا، ففي استطاعتنا أن نستدل، لا على أن هناك موضوعا فيزيائيا مناظرا. بل على أن هناك حالة لجسمنا يمكن أن تحدث بدورها لو كان هناك موضوع مناظر. وإذ نتحدث عن جمل، فإننا نتجنب ألفاظا مثل «الأشياء الذاتية». وبالعكس، فلما كان من الممكن إجراء هذه الترجمة إلى لغة تتحدث عن جمل، فإن من المسموح به أيضا استخدام أمثال هذه الألفاظ، وعلى ذلك فإن لنا أن نقول إن الأشياء الذاتية لها وجود ذاتي، وبذلك نستخدم كلمة الوجود بمعنى وهمي. فأمثال هذه التعبيرات مباحة لا لشيء إلا لأن من الممكن استبعادها.
وهكذا فإن تقسيم عالم التجربة إلى أشياء موضوعية وأشياء ذاتية، يتم عن طريق استدلالات صحيحة، ويعبر عنه بطريقة مشروعة في الكلام. فإذا افترضنا أن جميع الجمل التقريرية صحيحة موضوعيا، سنجد أن بعضها ليس كذلك. وهذا استدلال صحيح من النوع الذي يطلق عليه المنطقي اسم «برهان الخلف
reductio ad absurdum »، وهو يعني أن افتراض كون جميع الجمل التقريرية صحيحة موضوعيا «يرد إلى حالة الخلف أو الامتناع». ولكي ندرج هذه الجمل التقريرية التي ليست صحيحة موضوعيا في عالم فيزيائي متسق، فإنا نفترض وجود الملاحظ البشري، الذي يمكن أن يكون جسمه في حالات ملاحظة دون أن تكون هناك أشياء موضوعية. وهكذا ترتبط جمل الحلم بجمل اليقظة عن طريق علاقات نظامية. وفي استطاعتنا وضع قوانين نفسية تفسر الأحلام، وبالفعل استحدث التحليل النفسي طرقا تربط تجارب الحلم سببيا بتجارب سابقة في حالة اليقظة. وهكذا تفقد مجموعات جمل الحلم طابعها المنعزل، وتدمج في النسق الكلي، ومع ذلك فإن التفسير الذي نفهمها به في هذه الحالة يختلف اختلافا بينا عن تفسير الجمل الأخرى.
وعلى ذلك فإن وسيلة إدخال الملاحظ البشري وحالاته الجسمية هي فرض فيزيائي. ولا بد لنا من أن نقوم باختبار أدق للاستدلالات التي أدت إلى هذا الفرض؛ فعندما نحاول تشييد نسق مترابط من القوانين للأشياء الفيزيائية، نضطر في كثير من الأحيان إلى افتراض وجود أشياء فيزيائية أخرى معينة لا يمكن أن تلاحظ مباشرة. مثال ذلك أننا، لكي نصف الظواهر الكهربائية، نفترض أن ثمة كيانا فيزيائيا يسمى بالكهرباء، يسري في الأسلاك أو يسير كالأمواج في المكان المفتوح. ونحن في هذه الحالة نلاحظ ظواهر مثل انحراف الإبرة الممغنطة، أو صدور الموسيقى عن جهاز الاستقبال اللاسلكي، ولكن الكهرباء لا تلاحظ أبدا بطريقة مباشرة. وأود أن أستخدم للتعبير عن هذه الكيانات الفيزيائية اسم «المستنبطات
illata »، أي الأشياء المستدل عليها. وهي تتميز عن «العينيات
concreta » التي تؤلف عالم الأشياء الملاحظة. كما أنها تتميز عن «المجردات
abstracta » التي هي تجمعات للعينيات، ولا يمكن ملاحظتها مباشرة لأنها كليات شاملة؛ مثال ذلك أن لفظ «الرخاء» يشير إلى مجموع من الظواهر الملاحظة، أي العينيات، ويستخدم بوصفه تعبيرا مختصرا يلخص كل هذه الموضوعات الملاحظة في علاقاتها المتبادلة، أما المستنبطات فليست تجمعات للعينيات، وإنما هي كيانات منفصلة يستدل عليها من العينيات، ووجودها لا يعدو أن يكون أمرا ترجحه العينيات.
فالحالات الداخلية للجسم البشري مستنبطات
illata
Неизвестная страница