implicational obligation
ولكن لما كنا لا نشارك هتلر أهدافه، فإن لفظ «ينبغي» لا يستخدم في هذه الحالة بوصفها أمرا أخلاقيا. هذا المثل يوضح أن الإشارة إلى المتكلم لا تنفصل من المعنى الأخلاقي لعبارة «ينبغي عليه» أي أن الاعتراف بأن عبارة «ينبغي عليه» في معناها الأخلاقي هي لفظ انعكاسي الإشارة، هو أساس لا غناء عنه في تحليل علمي للأخلاق.
ويحاول البعض أحيانا أن يأتي بتفسير ثالث لعبارة «ينبغي عليه»، بغية التخلص من الإشارة الذاتية للألفاظ الأخلاقية، وتبعا لهذا التفسير، يكون معنى هذه العبارة هو «الجماعة تريد منه أن يفعل هذا أو ذاك.» ويبدو أن هذا المعنى يؤدي إلى استبعاد الصبغة الذاتية من الالتزامات الأخلاقية. ومع ذلك فإن هذا التفسير لا يمكن قبوله. فعندما يكون الأمر متعلقا بإرادة الجماعة، لا نستخدم عبارة «ينبغي عليه» إلا إذا أمكن إرجاع معناها إلى واحد من التفسيرين الأولين. فنحن نستخدمها أولا عندما يكون الفعل لازما عن إرادة الشخص المختص، الذي تكون من مصلحته إطاعة إرادة الجماعة، ومنذئذ يكون للجملة المعنى اللزومي المتعلق بالتفسير الأول. وثانيا، فإننا نستخدم هذه العبارة عندما نشارك في إرادة الجماعة، وفي هذه الحالة وحدها يكون المقصود بالعبارة أن تعبر عن التزام أخلاقي؛ مثال ذلك أنه لو وشى مجرم بشركائه، فإننا نعلم أن جماعته تدين مثل هذا السلوك، لذلك فإن العضو في هذه الجماعة خليق بأن يقول «كان ينبغي عليه ألا يتكلم.» أما إذا كنا نحن الذين نستخدم هذه الجملة، فقد نستخدم لفظ «ينبغي» بالمعنى اللزومي، ونعرب عن الرأي القائل إن السكوت كان في مصلحة المجرم، الذي قد يتعرض لأعمال انتقامية من جماعته. ومع ذلك فإننا إذا قلنا هذه الجملة بمعنى أنها حكم أخلاقي، فإن ما نقصده هو أن ذلك الرجل ملزم أخلاقيا بحماية جماعته، وعندئذ تكون العبارة انعكاسية الإشارة، وتتضمن تعبير عن رقبة المتكلم.
وهكذا نصل إلى النتيجة القائلة أن للتوجيهات الأخلاقية طابعا إراديا
volitional ، وأنها تعبر عن قرارات تتجه إليها إرادة المتكلم، وقد تبدو هذه النتيجة لأول وهلة مخيبة للآمال، إذ يبدو أنه لم تعد هناك أرض صلبة نبني عليها نزعات إرادتنا. ومع ذلك فهل من الضروري أن نكون في الجانب الملتقي للأمر لكي نشعر بأن من حقنا اتباعه، ولكي نطالب الآخر باتباع نفس الأمر؟ لقد أساء الفلاسفة فهم الشعور بالالتزام، الذي ينشأ في الجانب المتلقي للإرادة الجماعية، فتصوروه مناظرا للضرورة المعرفية، أو نتيجة يحتمها قانون عقلي أو استبصار بعالم للمثل. ولما كنا قد اكتشفنا أن هذا التشبيه لا يقوى على الصمود، وأن الشعور بالالتزام لا يمكن أن يتحول إلى مصدر لصحة الأخلاق، فلندع جانبا إذن ما في الالتزام من جاذبية، ولنلق بعيدا بتلك «العكازات» التي كنا نحتاج إليها في المشي، ولنقف على أرجلنا نحن، ونثق بنزعات إرادتنا، لا لأنها نزعات ثانوية، بل لأنها نزعات إرادتنا نحن. ومن المؤكد أن الأخلاق التي تقول أن إرادتنا لا بد أن تكون شريرة إذا لم تكن تستجيب لأمر من مصدر آخر - مثل هذه الأخلاق لا بد أن تكون أخلاقا شوهاء.
وقد تجيب على ذلك بقولك: «إذا كانت التوجيهات الأخلاقية قرارات إرادية (أو معبرة عن رغبات)، فيبدو أن لكل شخص الحق في أن يضع توجيهاته الأخلاقية الخاصة. ولكن كيف يمكن أن يطلب شخص إلى الآخرين أن يتبعوا توجيهاته؟ إنك تناشدنا بأن نثق في رغباتنا الإرادية، وبألا نشعر بأنفسنا في الجانب المتلقي للأمر، وفي الوقت ذاته تطالب بحق كل شخص في أن يضع أوامر للآخرين. أليس هذا تناقضا؟ يبدو أن التفسير الإرادي للأوامر يؤدي إلى النتيجة القائلة إن في استطاعة كل شخص أن يفعل ما يشاء، أي أنه يؤدي إلى الفوضى.»
فلنبدأ بدراسة الاستدلال الذي تعبر عنه عبارتك الأخيرة. ولنفرض أنني وضعت أمرا يقضي على شخص معين بأن يسلك بطريقة معينة، فكان جوابك: «كلا، فليفعل ما يشاء.» ومن الواضح أن لفظ «فليفعل» في ردك هذا تعبير عن معارضتك للأمر الذي أصدرته. فأنت تريد أن تقول إنني، على الرغم من أن لي الحق في وضع أوامري الخاصة، فليس من حقي وضع التزامات شاملة، أي أوامر الآخرين. وعبارة ««س» ليس من حقه» ليست عبارة معرفية، وإنما هي أسر، معناه ««س» ينبغي ألا يفعل هذا أو ذاك.» وإذن فأنت قد أجبتني بأمر، وأنت تطالبني بألا أضع أوامر للآخرين. فعلى أي أساس تبني أمرك؟ إنك تضع إرادتك مقابل إرادتي، ولست أدري لم كان يتعين على أن أعترف بإرادتك وأتخلى عن وضع التوجيهات للآخرين.
على أن المشكلة التي أثارها استدلالك السابق تبلغ من الأهمية حدا يبرر فحصها بمزيد من الدقة. فلنبدأ أولا ببحث عبارة «لكل امرئ، حق.» إن هذه العبارة يمكن أن تعني أن السلطات القانونية لا تفرض قيودا على نشاط أي شخص. وهذه عبارة معرفية، ولكنها ليست هي ما تعنيه بالنتيجة التي توصلت إليها. ولكي أزيد ما أقصده إيضاحا، فلندمج المعنى المفترض للعبارة في التعبير الكامل، بحيث تصبح «إذا كان التوجيه الأخلاقي مسألة قرار يعبر عن رغبة إرادية، فإن السلطات القانونية لا تفرض قيودا على نشاط أي شخص.» غير أن هذا تعبير مشكوك في صحته، وهو ليس ما تود أن تقوله، وثانيا، فإن عبارة «لكل شخص الحق» يمكن أن تعني أنه ينبغي عدم فرض قيود على نشاط أي شخص. على أن كلمة «ينبغي» تدل على أمر، وتبعا للتحليل السابق، فمن الممكن أن يكون لها معنيان؛ أولهما معنى الأمر الصادر عن المتكلم الذي هو أنت، وعندئذ يكون معنى جملتك هو «إذا كان التوجيه الأخلاقي مسألة قرار إرادي، فإني أصر على ألا تفرض قيود على نشاط أي شخص .» فإذا كان هذا ما تعنيه، فإنك لا تقرر علاقة منطقية، بل تكتفي بالإعراب عن رغبة من جانبك، وبذلك لا تصل إلى استدلال. أما المعنى الثاني لكلمة «ينبغي» فهو معنى اللزوم المنطقي الذي يؤدي إلى أمر يمكن استخلاصه، متعلق بالشخص المشار إليه. وعندئذ يكون ما تعنيه هو: «إذا كان الشخص يؤمن بالمبدأ القائل إن التوجيه الأخلاقي مسألة قرار إرادي، فيلزم عن ذلك أنه يؤمن بالأمر القائل بأنه لا ينبغي فرض قيود على نشاط أي شخص.» ولكن هل هذا استدلال صحيح؟ لست أدري كيف يمكن استخلاص نتيجة كهذه منطقيا، لأنه لا تناقض على الإطلاق بين رغبة المرء في أهداف معينة، وبين رغبته في أن يحد من نشاط الآخرين في الأمور التي تحول بينه وبين تحقيق أهدافه هذه.
وأود الآن أن أعبر عن الحجة الأخيرة على نحو مختلف إلى حد ما. فأنت تود أن تبين أن المنطق يحتم على الأخذ بالقرار المستخلص مما سبق: «ينبغي عدم فرض قيود على نشاط أي شخص.» فإذا كان ذلك أمرا يمكن استنتاجه، فلا بد أن يكون مستنتجا من أوامر أخرى. غير أنني لم أصرح حتى الآن بأية أوامر، وإنما اقتصرت على التعبير عن العبارة المعرفية القائلة أن الأوامر الأخلاقية أمور تتعلق بقرار إرادي. وليس في استطاعتك أن تستنتج أوامر من أوامر أخرى، أو من أوامر مقترنة بجمل معرفية، ولكن لا يمكن أن تستنتجها من الجمل المعرفية وحدها. وعلى ذلك فإن استدلالك باطل.
وهكذا ترى أن التفسير الإرادي
Неизвестная страница