قالت: إنها تشكر حاكم المقاطعة الذي افتكر بها ورشحها «لجائزة الفضيلة»، وسألتها فأجابتني أنها تربح 600 فرنك في الشهر، فتدفع أجرة المنزل، والباقي لا يكاد يكفي ... «في الصباح نشرب كلنا القهوة مع الخبز، والقهوة تقوي أعصابنا، والظهر نأكل الخضر المسلوقة، ومساء الشورباء مع الخبز.» ثم أشارت إلى الصحن الشورباء وكان لم يزل على المائدة، وإلى جانبه في صحفة قشرة بيضة فارغة. هنا ابتسمت وقالت: هذه البيضة من حقي في كل مساء؛ لأنني أتعب وأحتاج إلى غذاء، وإلا فإنني أهبط ... قالت: «أهبط». وأشارت إلى العائلة، وكأني بها تقول: «ويصبح هؤلاء تحت رحمة السماء.»
وبينما كانت تتكلم كانت الدموع تجول في مآقي ، والتأثر يضغط على حنجرتي، فأتمتم كلمة أصرف بها فكر الفتاة عن موضوع شقائها.
وودعت متمنيا لها ربح الجائزة، ولما صرت في أسفل الدرج التفت وإذا بالفتاة في أعلاه تنير سبيلي، وحول وجهها هالة نور ذهبية ... بقي أن أقول: إن شهادة الحاكم تنص على أن الآنسة لاردي هي مثال الفتيات بالتأدب والرزانة والصبر والشجاعة.
التطور النسائي
نعم! هو آت لا ريب فيه، ذلك اليوم السعيد الذي ينظر فيه العالم إلى الدمى المزخرفة كما إلى أدوات لا مكان لها في الإنسانية الجديدة، الإنسانية العاملة، الإنسانية المدركة أن لا نصيب في عشائها السري لمن لا يعمل.
وإنني بسرور أنقل شهادة مجلة «الألستراسيون» بالتطور الجديد الناشئ في باريز، تلك المدينة التي يسمونها مدينة الأزياء، والتي نتهم بأخذنا عنها كل قبيح. لنرد ادعاءهم مرة ونأخذ عنها المليح ...
قالت الألستراسيون:
لقد جرى في الأزمنة الأخيرة اهتمام جدي بالنساء الجميلات جدا، على أن رصيفنا صاحب جريدة «الإيكوده باري» أظهر لنا فكرة جميلة، ظهرت غريبة في بابها بسبب الأفكار العصرية السائدة. أما فكرته فهي تعريف الناس بفواضل الفتيات، وانتخاب عشرين منهن من بين مئات المرشحات. وقد قامت بهذا الانتخاب جمعية يرأسها الجنرال كاستنلو.
وإننا نخطئ إلى الحق إذا نحن أنكرنا التأثير الجميل الذي ساد على القراء في فرنسا وفي الخارج يوم أخذت الجريدة بنشر حكايات الفتيات، ووصف جهادهن وبؤسهن. أما التصويت العام الذي اشترك فيه خمسة وخمسون ألف قارئ، فقد كانت نتيجته أن الآنسة هنريت ساجه نالت الأسبقية بحصولها على اثني عشر ألف صوت.
وحياة هذه الآنسة مثال مؤثر للتضحية والعمل والنشاط النفسي: فقدت أمها في السادسة عشرة من عمرها، وبينما كانت تكمل دروسها كانت تعتني بالبيت، وفيه جدة عجوز وستة أطفال صغار كلهم مرضى؛ لتحدرهم من أبوين مريضين. في السابعة عشرة من عمرها بدأت تعمل خارج البيت براتب زهيد، ثم توفي والدها، فإذا بها ربة البيت، وبين يديها حياة سبعة أنفار، وبنشاط عجيب جاهدت ليلا نهارا، واحتملت ويلات المرض الذي انقض على بيتها فذهب بأختها ولازم سائر الأطفال زمنا. وأخيرا وجدت مركزا موافقا وفازت من أرباب العمل بعطف ورأفة، وزارها مؤخرا مدير جريدة «الإيكوده باري»؛ ليبشرها أنها نالت لقب أفضل فتاة في فرنسا بأكثرية مؤلفة من 2500 صوت مع جائزة قدرها 45 ألف فرنك؛ أي 2250 ليرة سورية؛ لتستعين بها على إعاشة ذويها، أما التسع عشرة فتاة الباقيات، وبينهن الآنسة لاردي فقد نالت كل منهن جائزة.
Неизвестная страница