إن كاتبتنا النابغة ولئن تجاهلت موهبتها اتضاعا، وحرمتنا منها توفرها على الإنشاء جهدها فيما مضى، إلا أن اليسير الذي أنشأته فيه من الإبداع شيء كثير، فيه جمال وفن، فيه ريشة مصور، ونغمة موسيقي، وخيال شاعر، ومعرفة عالم، وأدب كاتب، ورأي مفكر، وشعور حساس، فيه وطنية وحرية وغيرية وإنسانية، فيه جرأة ونهضة وحكمة ومحبة، وفيه شفوف لامس الروح، وسمو بلغ السماء.
فرأيت أن من أجمل الخدم أؤديها لبنات العرب أن أجمع ضمة من زهر آداب سلمى، أبرهن بها أهلية المرأة لمباراة الرجل فكرا وإنشاء، حتى في المواضيع الجدية الجافة، تاركا لهن ولأبناء جنسي الحكم في ذلك.
فسألت نابغتنا السماح لي بجمع هذا الكتاب من بدائع آثارها، خدمة للأمة، فأجابت سؤالي مشترطة علي أن تجعله من فضلها هدية منها إلى زوجتي، وأن أنشر فيه كلمتها عن كتابي «إكليل غار» التي جعلتني فيها من حسن ظنها بي شيئا مذكورا، وألا أمدحها بكلمة.
ولئن عملت بشرطيها الأولين، فلا أعمل بالثالث، وإن سكت فسواي يتكلم، وهذه نسماتها أفصح متكلم.
نسمات باردة، حارة، منعشة، لاذعة، فيها تغريد العصفور، وهينمة النسيم، ومشبهات بزوغ الشمس ومغيبها، وطلوع البدر وتلألؤ النجوم، ورواء الزهر وشذا العبير، فيها من حنان الأم ومن شعور الأخت، ومن تجرد المخلصة، وفيها من حزم المهذب، وجزم المعلم، وإيمان المرسل، وإخلاص العامل الإنساني.
ومهما برهنت آثار سلمى نبوغها فأمامها مستقبل عظيم، ولا غرو فهي صائغة اسما وفكرا وإنشاء، هي سائرة مسرعة دواما إلى الأمام، وشعارها من حسن إلى أحسن، ومن بديع إلى أبدع شأن الفنانين النابغين.
وسيلي «النسمات» كثير من بدائع سلمى، إن شاء الله.
أغاني الجنود
ارجعوني إلى بلادي، فقد اشتاقت نفسي سماء بلادي.
ارجعوني إلى الشاطئ البهيج ذي الرمال البيضاء، حيث تمرغت طفلا، وحلمت فتى ، وأحببت شابا، وأنجبت كهلا.
Неизвестная страница