قبل أن تستطيع دولة ما مساعدتها، فعلى فرنسا أن تسرع في احتلال مصر التي لا تكلف فرنسا صعوبة؛ لأن مصر خالية من أي تحصين ما، ولأنه لا يوجد فيها من الجيوش أكثر من خمسة أو ستة آلاف مملوك، لم يقفوا في ميدان حرب منظمة، وليس لديهم مدفع واحد، وفعلا صممت الحكومة على تنفيذ هذه السياسة، وأعدت ثمانية وعشرين ألف جندي لهذه الحملة، وجهزت السفن لنقل هذه القوة إلى الإسكندرية وأبي قير ودمياط.»
وكانوا يعتمدون على مساعدة المسيحيين العديدين المقيمين في القاهرة وفي الوجه القبلي والذين يتولون إدارة الأعمال للبكوات،
5
ولكن حوادث الحرب في أمريكا عطلت سفر هذه الحملة، ثم قامت الثورة الفرنسية على قدم وساق وسقطت الملكية وسالت الدماء أنهارا في باريز، فأهمل شأن مصر وغير مصر.
ويظهر مما تقدم أن فكرة احتلال فرنسا لمصر قديمة، وقد ظهر جليا من المستندات العديدة أن سافاري وسونيني لم يكونا سائحين فقط، بل كانا من رسل الحكومة الملكية في باريس، وفي رسائل سافاري ما يثبت جليا أنه كان يحرض حكومة فرنسا على احتلال مصر، فقد ورد في إحدى رسائله قوله: «لو أن في مصر حكومة عادلة وتوجهت نية هذا الشعب المصري الذكي إلى خدمة أرض مصر الخصبة، فأي جوخ ينسج من صوف أغنام مصر الجميل، وأي قماش يعمل من كتانها الناعم، وأي أقمشة تصنع من قطنها بنوعيه،
6
وأي حرير ينسج من نتاج دود القز الذي ينمو في بلد كهذه، صافية لا مطر فيها ولا غمام؟؟ وأي خير لا يجنى إذا حفرت الترع، وأقيمت الجسور لجعل الأرض صالحة للزراعة؛ وهي التي دفنت ثلثها الرمال؟ وأي نجاح لا يناله الإنسان إذا بحث عن مناجم الزمرد الذي قال أنه يوجد في تربة هذه البلاد؟؟» ا.ه كلام سافاري.
ثم قامت الثورة الفرنسية وتأجج لهيبها، وأكلت بعضها حتى بدأت نارها في الخمود، وعلا نجم نابوليون بونابرت بعد انتصاراته في شمال إيطاليا وقهره للنمسا، ففكر في الغارة على مصر للأسباب التي سنأتي عليها.
وهنا يلزمنا أن نأتي على خلاصة موجزة من تاريخ حياة نابوليون لكي يقف القارئ العربي على قيمة الرجل الذي قدم لفتح مصر، وكانت له فيها حوادث أشبه بالقصص الروائية، منها بالحقائق التاريخية.
ذلك الرجل الذي جالس علماء الأزهر وناقشهم في الأديان، وشرب معهم القهوة جالسا القرفصاء مثلهم على الوسائد والحشايا، ودخن التبغ مثلهم في الشبكات، حتى ارتدى اللباس العربي مثلهم، وشهد مع المصريين حفلاتهم في مولد النبي، وفتح الخليج، وتناول في شهر رمضان الطعام على الموائد الشرقية، في منزل السيد البكري، والسيد السادات، ولقبوه في مصر بالسلطان الكبير، وكان يذكره الجبرتي في كتابه باسم «ساري عسكر الفرنسيس بونابارته». •••
Неизвестная страница