أسماء المشخصين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
أسماء المشخصين
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
ناكر الجميل
ناكر الجميل
تأليف
أحمد أبو خليل القباني
أسماء المشخصين
الملك قسطنطين.
الوزير إسكندر.
حبيب:
نجل الملك قسطنطين.
هزار:
زوجة الوزير.
حليم:
نجل الوزير.
الشيخ ناصر:
معلم حليم.
غادر:
صديق حليم.
منتقم:
السياف.
جند وحرس.
الفصل الأول
المنظر الأول (غادر وحليم وناصر)
غادر :
ألا بالحمد أبدأ للقدير
مزيل الضر عن قلبي الكسير
كريم راحم بر رءوف
سميع منعم ملك بصير
فلا أحصي الثناء عليك ربي
أيا من جدت بالفضل الغزير
فأنت أغثتني وجبرت كربي
وأنقذت الفؤاد من السعير
وأنت منحتني نيل الأماني
وأعليت الحقير على السرير
ومن ضعفي ومن جوعي وسقمي
أرى بين الورى دون النقير
فحننت الحليم علي فضلا
ملاذي سيدي نجل الوزير
فداواني وأطعمني وآوى
وألبسني ثيابا من حرير
جزاك الله عني كل خير
أيا سندي ويا غوث الفقير
غمرت عبيدك العاني بجود
عميم الظل فيه كالأمير
جميع جوارحي بالشكر تثني
على علياك يا بدر البدور
فدم واسلم بعز ما تغنى
حمام الأيك في روض نضير
وما بزغ الصباح وما تجلى
جمال سناك في أفق الحبور
حليم :
ألا يا صاح دع حمدي وشكري
فإن الحمد للرب الغفور
ودع تذكار إحساني وفضلي
ودع ذكر القليل من الكثير
فأنت أخي وريحاني وروحي
وأنت رجائي في كل الأمور
فسر واحضر لنا ما نبتغيه
لكي نمضي إلى صيد الطيور
وبلغ والدي قصدي بهذا
وعد نحوي لنسرع بالمسير
غادر :
على رأسي وعيني يا حياتي
سأحضر ما طلبت بلا قصور
حماك الله من كيد الأعادي
ودمت كما تروم مدى الدهور (يخرج غادر.)
المنظر الثاني (حليم وناصر)
حليم :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمو
فطالما استعبد الأحرار إحسان
وكن مع الناس معوانا لذي أرب
يرجو نوالك إن الحر معوان
أرأيت يا ناصر مثل صنع الجميل؟
ناصر :
لا، وأبيك أيها الحليم النبيل؛ فإن صنع الجميل، يفرج الضيق، ويجعل العدو أحسن صديق.
حليم :
قد نطقت بالصواب، وقد صدق من قال:
ازرع جميلا ولو في غير موضعه
فلا يضيع جميل أينما زرعا
إن الجميل وإن طال الزمان به
فليس يحصده إلا الذي زرعا
ها أنا قد فعلت مع غادر فعلا لم يسبقني إليه أحد في الزمان الغابر؛ وذلك أني رأيته منطرحا في الطريق، من كثرة الأمراض والضيق، فأخذته وأحضرت له الأطباء، واعتنيت به غاية الاعتناء، وبعد شفائه من المرض أيها الصديق، قد اصطفيته لنفسي خليلا ورفيق، وكذلك والدي نظرا لحبه إلي، كتب على نفسه صكا شرعيا، أن يعامله كولده طول حياته، وأن يكون شريكا لي في جميع الأموال بعد وفاته؛ أملا أن يصير عوني وعضدي، ومسعفي في كل الأمور وسندي، وقد بان والحمد لله معه الجميل، وصار لنا أفضل صديق وألطف خليل.
ناصر :
وكيف أمكن لك يا سيدي أن تصافي هذا الإنسان، قبل الاختبار والامتحان؟
حليم :
إني اختبرته يا ناصر، وعرفت باطنه والظاهر، أما سمعت ما أبداه من الحمد للواحد القادر، وما أظهره لي من الشكر الفاخر؟ ولذا رمت أن أصطحبه معي إلى صيد الطيور؛ لنحصل على كمال النشوة والسرور.
ناصر (مبتسما) :
أمور تضحك الجهلاء منها
ويبكي من عواقبها اللبيب
أراك يا موالاي تصف غادر بالخلة والصداقة، وما هي عن إذنك إلا خفة وحماقة؛ حيث إنك وجدته منطرحا في الطريق، وأنقذته من كل كرب وضيق، ودوايته وآويته، وأطعمته وكسوته، وشاركته في نعمتك، وجعلته أنيس حضرتك، فشكرك بلسانه، والله أعلم بما في جنانه، أهذا هو الصديق؟ لا والله ما هو إلا زنديق.
إن أخا الهيجاء من يسعى معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
شتت فيك شمله ليجمعك
أوصل غادر إلى هذه الدرجة؟
حليم :
لا، ما وصل إلى هذه الدرجة؛ وأنا ما وصلت إلى درجة امتحنته بها هذا الامتحان، بل رأيته حسن الوجه عذب اللسان، فقربته إلي وجعلته من الخلان.
ناصر :
وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم
إذا كانت الأخلاق غير حسان؟
فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى
فما كل مصقول الحديد يماني
ما هذا التغفل الظاهر ، الذي لا يستحسنه عاقل ولا فاجر؟
إن ود الناس أضحى
لنفاق أو لعله
فاهجر الأصحاب إلا
صاحبا يصحب لله
انتبه يا بني من هذه الغفلة، وانشل نفسك من ورطة هذه الهفوة، واقبل يا معدن اللطائف؛ نصيحة مجرب عارف، قد أنحله الزمان، وأفنته غوائل الحدثان، وعرفته الصالح والطالح، والزائغ والناصح، والخاسر والرابح، والهالك والناجح، وأرته الشدة والرخاء، والعافية والضراء، والعسر واليسر، والسعة والفقر، والتفريج والضيق، والعدو والصديق.
وكنت إذا الصديق أراد قهري
وأشرقني على ظمأ بريق
غفرت ذنوبه وكظمت غيظي
مخافة أن أعيش بلا صديق
ولكن ما أجداني ذلك نفعا، وما زادني إلا حطة ووضعا، وذلك عند الامتحان، وانقلاب الزمان، ميزت الصدق من المين، واتضح الصبح لكل ذي عينين، وملني الأهل والأصحاب، وتغلقت في وجهي جميع الأبواب، إلا باب العظيم، الرءوف الرحيم، الذي لا يخيب من دعاه، ولا يحرم من استجداه، فإياك يا ابني إياك، من صحبة كل منافق أفاك.
إياك تغتر أو تخدعك بارقة
من ذي خداع يري بشرا وألطافا
فلو قلبت جميع الأرض قاطبة
فلا أخا يبذل الإنصاف إن صافى
حليم :
قد أطلت يا ناصر الكلام، وأسهبت بالتقريع والملام.
ناصر :
لا أيها الحليم، والزاهر الوسيم، أنا ما أطلت الكلام، ولا أسهبت بالملام، بل ما قلته هو الحق، والعدل والصدق، وأكرر النصح والمقال، وإن ألقيته في زوايا الإهمال، إنك لست من صحبة غادر على طائل، ولو كان والله سحبان وائل؛ لأن أفكاري ما استحسنت صداقته، ولا استطابت مرافقته، وما أراه إلا كذابا خداع، خلابا لذاع، ذا شقاوة ومرية، وعداوة وفرية، ظاهره سرور، وباطنه شرور.
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب
حليم :
إن الجلي على الخفي دليل
ومن الفؤاد إلى الفؤاد سبيل
لا تحسبن بغادر غدرا فما
لصفاء نيته أخي مثيل (ينشد):
إظهار ما تخفي الصدور
قد خص بالمولى القدير
إن رمت إدراك الأمور
فمن الظواهر كن بصير
في كل حال يا شكور
سلمت أمري اليوم لك
فبأمرك السامي يدور
ما في البسيطة والفلك
ناصر :
آه يا مولاي حليم، والله إنك مع غادر على خطر جسيم، ولا بد ما يدس لك السم في الدسم، فتندم حيث لا ينفعك الندم، ولا يفيد التلافي بعد التلاف، ولا يرد السهم في القوس وقد خرق الشفاف؛ حيث إني درست السياسة على أعظم شيخ وهو الزمان، ومارست ما شان وما زان، وأنت شاب غرير، وبعواقب الأمور ليست بخبير، لا مارست الخلق، ولا ميزت بين الصدق من ذوي الملق، ولا خبرت ولا سبرت، ولا سمعت ولا نظرت، بل نشأت في ظلال النعيم، واستهلال ظهورك صحبة غادر اللئيم، فاستخلصته لنفسك، وجعلته ريحانة أنسك، وشاركته في النسب والمال، وما فكرت في العاقبة والحال، وفعلت فعلا لا يرضاه عاقل، ولا يقرك عليه جاهل.
حليم (غاضبا) :
قد تجاوزت الحد يا ناصر، وأسرفت في ذم غادر، أما علمت أن الأخ الصلبي ربما يضرك، وأما الصديق الصالح فإنه أبدا يسرك، والصاحب الشفيق، خير من الأخ الشقيق، وأنا ما اتخذت غادرا لا لشدة ولا لرخاء، بل ما فعلته معه ما هو إلا من باب المروءة والسخاء، وأنت ما نقص عليك من محبتي لغادر؟
ناصر (مبتسما) :
أنا أيها المحسن الباهر ما نقص علي شيء من المراسيم، وما فقد مني شيء مما أسديته إلي من النعيم، وإنما نظرا لما لك من الإحسان، يجب أن أحذرك من نوائب الزمان، ولا تظن ما قلته لك هو ناشئ عن خبث طوية، لا بل هو من خلوص السريرة وصفاء النية، وحيث إني رأيت الزمان حقود، والصاحب أول ناكث للعهود، فقد أخبرتك، وحذرتك وأنذرتك، من غدر صاحب أن تختاره وهو يختار سواك، وأنت تفديه بنفسك وهو يود لك الهلاك، إن أعطيته حرمك، وإن رحمته ظلمك، تصعد به ظلال النعيم، وهو يهوي بك إلى حضيض الجحيم، تطعمه الشهد والحلاوة، وهو يسعى بينك وبين الناس بالعداوة، وما ذلك إلا لنفعه وضرك، وخيره وشرك، يدنس ويدلس، ويوسوس ويهوس، ويروج الباطل، ويحلي العاطل، لا يستحسن الترف، ولا ينظر إلى الشرف، بل يجد في منفعته الخصوصية، بقطع النظر عن الجهة والحيثية، ومتى ذهبت السكرة، وجاءت الفكرة، يتضح للإنسان حقيقة الحال، ويتذكر قول من قال:
المرء في زمن الإقبال كالشجرة
والناس من حولها ما دامت الثمرة
حتى إذا ما انقضت أيام مدتها
تفرقوا وأرادوا غيرها شجرة
ولا يزداد المرء إيقان، إلا بالتجريب والامتحان.
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
له عن عدو في ثياب صديق
فاتعظ أيها الحليم، بنصح مجرب حكيم.
إذا أنت فتشت القلوب وجدتها
قلوب أعاد في جسوم أصادق
حليم (غاضبا) :
ما هذا الحمق الشديد، والنصح الذي لا يفيد؟ أترغب أن أعيش وحشيا يا لئيم، بلا خليل ولا نديم؟
ناصر :
أما سمعت يا حميد الصفات، ما قاله صاحب المقامات:
ونديم محضته صدق ودي
إذ توهمته صديقا حميما
ثم أوليته قطيعة قال
حين ألفيته عدوا ذميما
خلته قبل أن أجرب إلفا
ذا ذمام فبان جلفا ذميما
وتخيرته كليما فأمسى
منه قلبي بما جناه كليما
وأنا يا مولاي ما قلت بعدم صنع الجميل، لا بل أقر بأنه لازم وجليل، وعلى كل افعل ما بدا لك، نجح الله أمورك وأفعالك، ولكن:
الرأي عندي أن تكون على حذر
من غادر كي لا تهان إذا غدر
أحليم كن متيقظا حتى إذا
وافى اللصوص تكون ليلا في سهر
إن نام غيرك آمنا لجميله
فاصح لكونك محسنا واجل النظر
احذر وكن مستيقظا لا سيما
إن تم فعلك بالجميل هنا الخطر
أوما ترى أن الكسوف أوانه
لما يتم النور في كرة القمر؟
فاحفظ كلامي كله كي لا تقو
ل رميت سهمي إنما انقطع الوتر
فهناك تغدو نادما متحيرا
بين الأنام وعبرة لمن اعتبر
حليم :
وإن كان يا ناصر كلامك مرصعا بجواهر الصواب، فلا يمكن أن أقبله؛ حيث إني في مودة غادر بعيد عن الارتياب؛ لأني منذ عرفته إلى اليوم، لم أر منه ما يوجب اللوم، وكان من الواجب أن أتبع رأيك وأكون منه على حذر، ولكن قلبي لا يطاوعني أن أسمع بغادر كلام أحد من البشر؟!
ناصر (في نفسه) :
يا لله أنصحه فيناقض، وأرشده فيعارض، ونتيجة قوله لنصحي المفتخر، ألا يسمع بغادر كلام أحد من البشر. (لحليم) : والله إن غادرا لذميم، وشيطان رجيم؛ كثير الوسواس، خئون خناس، قليل الأمانة، مصدر الخيانة، ذو مضرة ورياء، ومخاصمة ومراء، أخلاقه ذميمة، وأوصافه مشومة، خبيث الطوية، وحركاته شيطانية، كالنار في الإحراق، وإبليس في الشقاق؛ وحيث إني ألمعي الفراسة، وماهر في السياسة، أقول إن غادرا لغادر، وماكر فاجر، ولو لم يكن مستحقا لما كان عليه، لما أوصل الله تلك الإهانة إليه، حليم حليم، مولانا حليم، أتريد أن تسعد من أشقاه الله، وتقرب من طرده وأقصاه؟ كلا، كلا.
إذا المرء لم يخلق سعيدا من الأزل
فخاب الذي ربى وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر
وموسى الذي رباه فرعون مرسل
فلا تحصل يا سيدي من صحبة غادر على السلامة، ولا بد ما تقع في الحسرة والندامة؛ حيث إنه خال من الصفات الحميدة، والشمائل السعيدة، قبيح الفعل، رديء الأصل.
هيهات تجني سكرا من حنظل
فالشيء يرجع بالمذاق لأصله
حليم (غاضبا) :
قد خرجت يا ناصر عن حد الاحتشام، ودخلت فيما لا يعينك بالتأنيب والملام، فأنا عن محبة غادر لا أحيد، ولو ألقيت في العذاب الشديد، فاغرب عن وجهي يا بغيض، وأرحني من كلامك الطويل العريض.
ناصر (وهو ذاهب) :
إذا المرء لم يعرف مصالح نفسه
ولم يك يوما للأخلاء يسمع
فلا ترج منه الرشد واتركه إنه
بأيدي صروف النائبات سيوقع
حليم :
أف لك من نصوح ذميم، وحاسد لئيم، أهكذا يفعل الحسد؟ تحصنت بالواحد الصمد، ظاهر كلامه نصيحة وبر، وباطنه حسد وشر؛ حيث إني أعرف من ذاته، ومطلع على جميع حركاته.
وإني بلوت الناس أطلب منهمو
أخا ثقة عند اعتراض الشدائد
فلم أر فيما ساءني غير شامت
ولم أر فيما سرني غير حاسد
يرغب ذلك الوسواس الخناس، أن أقطع علاقتي من حب جميع الناس، وأعامل كلا من الخلان بالصد والجفا، والعداوة، وأقتصر على ذاته الشريفة، وأخلاقه اللطيفة، وما فعل غادر معه من الأضرار، حتى أصر على بغضه هذا الإصرار، فأنا منذ عرفته ما عاملته بغير الإحسان، ولا أظهرت له غير الحب بالقلب واللسان، وذاته الردية، وخلاله الشيطانية، يأبيان فعل الخير، ويرغبان كل شر وضير، بلا سبب يوجب، ولا ذنب يغضب.
لسع العقارب لم يكن لعداوة
لكن لخبث تقتضيه ذواتها
ولكن خاب أمله، وفسد عمله، وأنا وعزة ربي القادر، لا أميل عن محبة غادر، وأكتفي منه بالوداد، عن محبة جميع العباد.
وإذا تألفت القلوب لبعضها
فالناس تضرب في حديد بارد
وإذا صفا لك من زمانك واحد
فهو المراد فعش بذاك الواحد
ولكن قد أبطأ غادر، هل أبي ليس بحاضر؟ يلزم أن أستحضره قبل فوات الفرص، وأستحضر كل ما يلزمنا للصيد والقنص. (يخرج.)
المنظر الثالث (غادر ثم حليم)
غادر (يدخل) :
قد استحضرت على ما يلزمنا للذهاب، لكن ما لي أرى حليما ذاهبا من هذا الباب؟ آه، إن بلاء الإنسان عظيم، وخصوصا إذا عاش في ظل وغد مثل حليم، نعم، إنه داواني وآواني، وأطعمني وسقاني، وشاركني في نعمة أبيه، وجعلني أعز من أخيه، وكفاني جميع الأحزان والآلام، وغمرني بمزيد الإنعام، ولكن أرى ذاتي أن أمجده وأعظمه، وأبجله وأفخمه، شكرا له على إنعامه، وجزيل إكرامه، ومن يحتمل هكذا تحقير، ويكابد من الذل عذاب السعير.
لا تسقني كأس الحياة بذلة
وأدر بعز لي كئوس الحنظل
كأس الحياة بذلة كجهنم
وجهنم في العز أفخر منزل
فلا بد أن أقتله في وقت مناسب، وأسلم به من غوائل العواقب، وإذا سمحت الفرصة أقتل أباه، وأصير وزيرا عوضه بلا اشتباه، وحينئذ أعيش بالصفاء والهناء، آمنا من كل إهانة وعناء؛ ولذلك القصد قد أحضرت هذا الخنجر؛ لأذيقه من حده الموت الأحمر، ولكن يلزمني الآن أن أحدثه بالكلام اللطيف، وأخضع لأمره الشريف؛ كي لا يشعر بما تخفي الصدور، فأقع في البلاء والشرور، نعم هكذا أفعل، وعن هذا القصد لا أتحول.
أغشه اليوم في حلو الكلام عسى
أسقيه سما وأخفي السم في الدسم
وبعد هذا أحوز المال أجمعه. (يدخل حليم.)
أهلا وسهلا بفرد العرب والعجم
آنست عبدك يا محيي الفؤاد ومن
جمال طلعته كالبدر في الظلم
ما عشت أثني على علياك يا سندي
وبعد موتي إذا أمسيت كالرمم
حليم :
الله يبقيك يا ذخري ومعتمدي
مدى الزمان بأهنا العيش والنعم
فأنت روحي الذي حقا أعيش بها
وأنت ريحاني فاسلم لي وعش ودم
غادر :
قد استحضرت كل ما يلزمنا للذهاب، فهل تأمر أن نستدعي معنا أحد الأصحاب؟
حليم :
لا، نكون وحدنا فقط، ولكن ما قلت لأبي وأمي، ألم تنظرهما قط؟
غادر :
نعم، قد أخبرتهما بما تريد، فاستصوبا ما عزمت عليه أيها الحليم الفريد، وهذه أمك آتية مع أبيك، الله يحفظهما ويبقيك.
المنظر الرابع (المذكورون، الوزير، وزوجته هزار)
الوزير :
همة مباركة يا حليم.
حليم :
تكون مباركة بعنايتك أيها الوالد الكريم.
الوزير :
مع من عزمت أن تذهب للصيد يا ولدي الحبيب؟
حليم :
مع أخي غادر إلى هذا الحرش القريب.
الوزير :
لا بأس اذهب مع غادر، وعسى ينشرح منك الخاطر.
حليم :
سمعا وطاعة، وسنعود إن شاء الله بالسرور، مصطحبين معنا كثيرا من الطيور.
الوزير :
اذهبا بالأمان.
غادر :
حفظت يا مولاي مدى الزمان.
حليم (يقبل يدي والده) :
عن إذنك يا والدي الكريم.
الوزير :
سر محفوظا بعناية الرءوف الرحيم.
حليم (إلى أمه) :
عن إذنك يا أماه.
هزار :
سر محفوظا بعناية الله. (يخرج حليم وغادر.)
المنظر الخامس (الوزير وزوجته، ثم ناصر وحبيب)
الوزير :
الحمد لله المنعم العظيم، الذي جمع الأوصاف الحسنة بولدي حليم، فإنه جل علاه قد غرس في رياض قلبه روح التقوى والصلاح، وجعله منهلا صافيا يرده كل من يبتغي الفلاح والنجاح، وما ذلك إلا مجازاة لعمله العجيب، الذي أجراه مع غادر الغريب، إنه سبحانه وتعالى ينظر إلى حالة العبيد، ويجازي كل أحد بما شاء ويريد، وأنا أسأله أن يحفظ حياة ولدي، ويجعله عوني وعضدي، ويبقيه محبا لكل غريب وقريب، إنه السميع المجيب.
هزار :
مولاي لا أعلم لما خفق فؤادي عند ذهاب وحيدنا حليم، وهذا ضد العادة فأخشى عليه من خطر جسيم.
الوزير :
ما هذا المقال المريع، والكلام الفظيع؟ أما ذهب بصحته من هذا المكان، وسيرجع إن شاء الله آمنا ريب الزمان؟ فدعي هذه الأفكار؛ فإنها لا تفيد سوى الأكدار. (يدخل الشيخ ناصر مسرعا.)
ناصر (بلهفة) :
قد شرف يا مولاي سمو الأمير المكرم، نجل جلالة مولانا الملك المعظم، فاصرفه في الحال، ولا تطل معه المقال؛ حيث لي معك كلام سأعرضه عليك، وها هو قد أقبل. (يدخل حبيب.)
حبيب :
سلامي للوزير الفرد أهدي
رفيع القدر ذي المجد الأثيل
الوزير :
فأهلا بالحبيب أخي المعالي
ونجل العادل الملك الجليل
حبيب :
اعلم أيها الوزير أنه نظرا لصدق خدمتك، قد صدر أمر والدي بترفيع رتبتك، وقد جعلك وزيره الأول ومدبر الأحكام، فيجب عليك أن تذهب لأداء التشكر على هذا الإنعام، وقد بلغني أن حليما ذهب إلى الصيد هو وغادر، فأريد أن أتبعهما لينتعش بحديثهما مني الخاطر، وإذا سألك والدي فأخبره بما كان، وعن إذنك أنا ذاهب الآن.
الوزير :
سر بالأمان، وكلاءة الرحمن (يذهب حبيب). (إلى زوجته): أنظرت كيف استمال حليم نحوه جميع القلوب؟
هزار :
نعم، وقاه الله من الأكدار والكروب.
الوزير :
إن حسن السيرة، دليل على صفاء السريرة، فأسأل الله العظيم المنان، أن يرده علينا بالأمان.
ناصر :
قد أمنت يا مولاي على حليم، وسلمته لغادر اللئيم، وما تفكرت في العواقب، وما سيقع به من المصائب، من يد غادر الجحود، الناكث للعهود.
هزار :
ويلاه يا لها من نكبة مريعة، ومصيبة فظيعة! ناصر ماذا صار، وما حل بولدي من الدمار؟
ناصر :
هدئي روعك قليلا، واسمعي مني خبرا مهولا.
هزار :
ناصر تكلم، ناصر تكلم؛ آه قلبي، تكلم.
ناصر :
اعلمي يا مولاتي أني دخلت هذا المكان، حينما ذهب حليم يطلب منكما الاستئذان، فرأيت فيه غادر، وهو لي غير ناظر، فسمعته يحدث نفسه، بما أطلعني على سره، وأفهمني حقيقة أمره، وهو أنه مغتاظ من حليم كونه معظم، وملزوم أن يعيش دونه وإن كان بخير مكرم، وواجب عليه أن يخضع لما يريد، وأن يكون سامعا لأمره كأحد العبيد؛ ولذا صمم على قتله هذه المرة؛ ليتخلص على رغمه من عيشته المرة، هذا ما سمعته من فم غادر اللئيم، بعدما كررت النصيحة على مولاي حليم، وقد ذهبت لأخبره بذلك؛ كي أخلصه من المهالك، فرأيته قد ذهب، وعن عيني قد احتجب، فرجعت وأخبرتكما بما كان وما سيكون؛ لتنقذاه من مخالب المنون.
هزار (تبكي) :
إلهي، ما هذا الخطب العظيم، والبلاء الجسيم؟
الوزير :
وهل تجاسر غادر على مثل هذه الفعال؟
ناصر :
أي، وحق العظيم المتعال، هذا ما سمعته من فم غادر، أطلعتك عليه يا ذا المفاخر، وقد صمم أيضا أن يقتلك بعد قتل حليم؛ أملا أن يصير وزيرا عند مليكنا الفخيم، فتدارك لولدك الخلاص، قبل أن يقتنصه القناص.
هزار :
أواه، وا ولداه.
الوزير :
صبرا يا هزار.
هزار :
آه قد احرقتني النار، أدرك يا مولاي ولدك الناضر، وخلصه من كيد غادر الفاجر.
الوزير :
قد وجب يا هزار، فعسى أن ننجيه من الدمار، سر يا ناصر، وأحضر لي السيف والجواد، وانتظرني تجاه الواد.
ناصر :
هذا ما أطلب، وأنا ذاهب.
الوزير :
سر وعد بالعجل
خاب منه الأمل
هزار :
يا إله السما
نجه كرما
الوزير :
أين ذاك اللئيم
أين أين الأثيم
هزار :
كي يرى الآخرة ... ...
الوزير : ... ... ...
اجلسي صابرة
هزار :
آه وا حسرتي ... ...
الوزير : ... ... ...
اصبري واثبتي
الوزير :
هيا يا ناصر ... ... ...
ناصر : ... ... ...
ها أنا سائر
هزار :
سر وخذني معك
بالذي أبدعك
الوزير :
امكثي في سكون ... ... ...
هزار : ... ... ...
آه ذقت المنون
الفصل الثاني
المنظر الأول (حبيب، وجنده في الغابة)
حرس (لحن) :
دم بالمسرة والصفا
يا أيها البدر المنير
فبك الزمان قد صفا
وتيسر الأمر العسير
فاسلم بعز وانشراح
ما أشرقت شمس الصباح
واشد النهار مشنفا
صبحا على الغصن النضير
حبيب :
حيث إني لم أجد حليما في هذا المكان، فأرغب أن أصطاد وحدي فأبعدوا عني الآن، ولكن لا تذهبوا إلى محل بعيد؛ كي أدعوكم عندما أريد.
حرس :
سمعا وطاعة.
حبيب :
يا ترى أين ألقى حليما وغادر، لتنتعش بالاجتماع منا الخواطر، ومع هذا لا أرى صيدا في هذا المكان، فيلزم أن أتوجه إلى غيره عسى أجد بعض طيور أو غزلان، ولربما أرى حليما أو غادر، وهذا طائر طائر، فلنسرع بالمسير، قبلما يطير.
المنظر الثاني (حليم، غادر)
غادر :
يا أخي صيد الطيور
في رياض الارتياح
يدني أنواع السرور
والتهاني والمراح
سيما والوقت خال
من رقيب ذي ضلال
فهنا صيد الغزال
لنا يمن وفلاح
حليم :
بالحقيقة يا أخي غادر، لقد سر مني الخاطر؛ حيث وقت المساء نقدم لأبي أنواع الطيور، فيسر منا غاية السرور.
غادر :
نعم، يا بهجة الزمان، وخصوصا إذا كان معنا بعض غزلان.
حليم :
يا إلهي لك حمدي
فلقد أسعدت جدي
وبغادر تم سعدي
والصفا والانشراح
غادر :
أدام الله يا سيدي صفاك، وبلغك من كل خير مناك، بأي لسان أشكر هذا الإنسان، وبأي قلم أحصر هذا الإحسان؟
موفق لسبيل الرشد متبع
يزداد في الحلم والمرذول يجتنب
له خلائق بيض لا يغيرها
صرف الزمان كما لا يصدأ الذهب
وما هذه إلا نفس هنية، وأياد حاتمية، وقلب عطوف، وطبع ألوف، ولسان رطب، وحديث عذب، وعهد وثيق، ومجد عريق، وجمال باهر، وكمال فاخر، ورأي سديد، وصنع حميد، وعطايا عميمة، وسجايا مستقيمة؛ كأنه خلق من الكمالات، وانطبق على أحسن الصفات.
حليم :
ومن صاحب هذه الصفات يا غادر؟
غادر :
هو أنت يا معدن المفاخر، هي صفاتك الباهرة، هي خصالك الزاهرة، قد صرفت عني كل كدر، وأقلتني من نوائب الزمان ودواهيه، ورفعتني مكانة سامية، وغمرتني بنعمك الهامية، وقلت إن سعدك وصفاك، قد تم بوجودي، فسبحان من سواك، وجعلك منهلا لكل وارد، وملجأ لكل قاصد، إنه السميع البصير، وعلى ما شاء قدير.
حليم :
وهل في الناس يا معدن الألطاف، من يتصف بغير هذه الأوصاف؟
غادر :
ترى من تقربه وتواسيه، وتهذبه وتراعيه، وتعلمه الأدب وتكفيه النوب، وتكون به ذا رأفة وإشفاق، وعليه ذا حنو وإنفاق، وتخرجه من الظلماء إلى الضياء، وترفعه من الحضيض إلى العلياء، وتعادي من أجله الأصحاب، والأقارب والأحباب؛ حرصا عليه من أهل الفساد، وأرباب الضلال والعناد؛ أملا أن يصير لك صديق، وعدة في كل شيء وضيق، فبعد تلك العطايا، والمواهب والهدايا، تراه كنقش على حيطان، أو رقص بين غيطان، وغمام بلا مطر، وأكمام بلا زهر، يقابل حسناتك بالسيئات، ويكلمك بلسانه وطرفه يرقب أصحاب الغايات، إن حدث كذب، وإن لمس خلب ، وإن لان هان، وإن استؤمن خان، وإن عوتب نافق، وإن استشير على ضرك وافق، وإن ظفر نهش، وإن قدر بطش، لا يراعي وداد، ولا يألف أحدا من العباد، إلا لغاية نفسية، أو منفعة ذاتية، لا يستقيم على حال، ويصدق فيه قول من قال:
أعلمه الرماية كل يوم
ولما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني
وهذا يا مولاي من يتصف بضد أوصافك الحسان، ويكون منافقا بالقلب واللسان، ومن الناس من يقابل الإحسان بالإحسان، ويكون صادقا إلى آخر الزمان، وإن أطعمته سقاك، وإن واسيته ودك ورعاك، وهذا أيها الحليم الفاخر، في هذا الزمان قليل ونادر، وعلى كل أيها الكامل، يجب على كل نبيه عاقل، أن ينفي صحبة الأنذال، ويتمسك بصحبة آل الكمال، ولله در من قال وأنذر، وطوبى لمن سمع وتفكر:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
حليم :
آه يا أخي غادر، هذه أوصاف ناصر، ما كنت أجد عنه انفصال، ولا خلاص من نصائحه الثقال، كلما أردت أن أصطحب مع إنسان، يهمر علي كأنه شيطان، ويرغبني في العزلة والانفراد، وأن أهجر جميع العباد، حتى إنه نصحني عن صحبتك مرار، وقال: إنك من الأشقياء الأشرار، ولكني تركته إلى حيث لا يعود؛ لما تيقنت أنه كنود جحود.
غادر :
إلى كم يداري المرء حاسد نعمة
إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
كم أداري ذلك الختير، وأخدمه خدمة العبد للأمير، وهو يود لي الهلاك، والوقوع في الأشراك، وعند الاجتماع يظهر لي الوداد، والمحبة دون جميع العباد، فأعوذ بالله من صحبة ذي الوجهين، المتكلم كخائض المداد بلسانين.
قل للذي لست أدري من تلونه
أصادق أم على غش يناديني
تغتابني بين أقوام وتمدحني
في آخرين وكل عنك يأتيني
وأنا لا ألوم ناصر على بغضي، ولا أتكدر من دخوله في عرضي؛ لأنه توشح بما فيه، وطرده جزاء يكفيه.
سألزم نفسي الصفح عن كل مجرم
وإن عظمت منه علي الجرائم
حليم :
بارك الله فيك يا غادر، وحماك الله من كيد كل ماكر فاجر.
غادر :
قد حماني وله المنة والفضل، وألبسني حلة الكمال والعقل.
يعد رفيع القوم من كان عاقلا
وإن لم يكن في قومه بحسيب
فإن حل أرضا عاش فيها بعقله
وما عاقل في بلدة بغريب
والعاقل يا مولاي لا يكون إلا بصير، وبعواقب الأمور خبير، لا يغضبه القادح، ولا يسره المادح، تراه ثابتا في النوازل، معدودا في البواسل، لا يتسبب في نقمة، ولا يحسد على نعمة، ولا ينظر إلى عورة، ولا يسعى إلى مضرة، ولا يعجب بنفسه، ولا يتكبر على أبناء جنسه، ولا ينم ولا يستغيب، ولا يكون إلا في جميع الأقوال مصيب، وما ذلك إلا بفراسته ونبالته، وكمال عقاله وسياسته.
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله
فقد كملت أخلاقه ومآربه
حليم :
مثلك يا غادر من يكون، في جميع الأحوال والشئون، فلله درك من عاقل أديب، جمع الله فيك كل وصف عجيب!
غادر :
ما أنا يا مولاي إلا عبد إحسانك، وغريق حب بنانك، فلولا وجودك ما ذكرت بلسان، ولا ميزت الإساءة من الإحسان، وحيث إن الله كفاني كيد ناصر، وأبعده عني نادما خاسر، فأرغب ألا يضيع الوقت بذكره، فقد لقي عاقبة مكره.
حليم :
ماذا تريد يا أخي أن نفعل؟
غادر :
أرغب يا مولاي أن نرجع إلى المقصد الأول، وهو صيد الطيور؛ لنحصل على كمال النشوة والسرور.
حليم :
قد صدقت أيها الفاخر، ولكن لا أرى في هذا المكان ولا طائر.
غادر :
الطيور يا سيدي ما لها محل مخصوص، وأحوال الصيادين دائما كاللصوص، ينتقلون من مكان إلى مكان، يتفقدون الطيور والغزلان، والصياد لحصول المراد، لا ينفك عن الانفراد، فإذا شئت فلنفترق إلى جهتين؛ كي لا نرجع بخفي حنين.
حليم :
رأيك يا أخي غادر.
غادر :
سر بحراسة القادر، (يبتعد حليم فيقول غادر)
بحراسة الشيطان الرجيم، أيها النذل الذميم، إلى كم أتملقه بالكلام، وما كنت أحصل على المرام؟ فلا بد من قتله في هذا النهار، ولو ألقيت بعدها في النار، وأقول لوالده الثقيل، قد افترسه أسد أو فيل، وبهذا العذر أخلص من العنا، وأبلغ القصد والمنى، وهذا طائر، إلي سائر. (يدخل حبيب ويهم غادر بقتله.)
المنظر الثالث (غادر، حبيب، جندي)
غادر :
ما هذا؟ آه يا خئون.
حبيب :
مهلا أيها المصون، تخلق بأخلاق الكرام.
غادر :
آه يا ابن اللئام! قد غشى ظلام الحقد على عيوني، والغضب قد أثار شرار جفوني، وسأنتهز الفرصة بقتل هذا البغيض، وسحق لحمه وعظمه العريض.
حبيب :
اخسأ يا غدار، وإلا أسقيك الدمار.
غادر :
انت تذيقني الدمار، آه يا ابن الأشرار.
ألا بادر إلى شرب الحمام
بهذا السيف يا نسل اللئام
حبيب :
خسئت، وخبت يا وغد ذميم ... ... ... ... ...
غادر : ... ... ... ... ...
لك الخسران من بطل همام
حبيب :
فخذها، واذهبن للقبر حالا (يضرب غادرا فلا يصيبه).
غادر : ... ... ... ...
اسكت، وذق طعم المنية من حسامي (يطعنه بخنجره.)
حبيب :
جنودي أدركوني قتلت ظلما ... ... ... ... ...
غادر : ... ... ... ...
ألا فاسكت، ومت قهرا أمامي
ولكن من قتلت الآن ويلي
أنا في يقظة أو في منام
وهل هذا حليم لا وربي
فهذه رمية من غير رامي
فقم يا نور عيني يا حبيبي
ولكن لا حياة لمن أنادي
إلهي من أرى قد جاء جندي
وقد ألقيت في غور الضرام (يدخل جندي.)
جندي :
ألا يا من قتلت ابنا فريدا
لسلطان العلا ملك الأنام
هلم معي إليه كي تجازي
على ذا الفعل ... ... ... ...
غادر : ... ... ... ... ... ... ... ... عد يا ابن الحرام
وإلا أذقتك من كفي سيفا
يقد بحده هام الحمام
الجندي (في نفسه) :
يلزم أن أذهب بلا قيل وقال، وأحضر بقية الجند في الحال (يخرج.)
غادر :
ويلاه في أي هاوية سقطت؟ وفي أي بلية وقعت؟ ما هذا الضلال المبين؟ وكيف قتلت ابن الملك قسطنطين؟ من نصيري، من مجيري؟ الآن تأتي الجنود، وأسحب مكبلا بالقيود.
المنظر الرابع (غادر، حليم)
غادر (يدخل حليم، فيرتمي غادر على قدمي حليم) :
آه يا مولاي حليم، خلصني من هذا الأمر الذميم.
حليم :
ماذا صار؟ أشغلت مني الأفكار.
غادر :
انظر يا مولاي إلى هذا القتيل.
حليم :
آه هذا الأمير نجل الملك قسطنطين، ومن قتله من البشر؟
غادر :
أنا يا مولاي المفتخر؛ قد قتلته على غير عمد، ورآني أحد الجند، وذهب ليحضر العسكر؛ ليأخذني عند الملك محقر، فكيف العمل؟ قد فرغ مني الأجل.
حليم :
هذه الداهية الدهما، والبلية العظمى.
غادر :
أرجوك يا مولاي أن تخفي معك هذا الخنجر، قبل أن تحضر العسكر، فعسى أن أنجو من الأتراح، إذا رأوني خاليا من السلاح، فقد عزمت على الإنكار؛ لأخلص من الدمار، خذه يا مولاي بالعجل، آه! مت من الوجل!
حليم :
شفقة الوداد يا غادر، تلجئني أن أخاطر؛ مع أن جرمك عظيم.
غادر :
الصنيعة يا مولاي حليم.
حليم :
أنا آخذه وأخفيه، وأساعدك على ما تبتغيه، بشرط تتوب، من جميع الذنوب.
غادر :
أتوب يا سيدي أتوب، خلصني الآن من الخطوب. (يأخذ حليم الخنجر ويخفيه.)
غادر :
الله يحفظك ويبقيك، ومن كل بلاء ينجيك.
حليم :
أسفا على طلعتك أيها الحبيب، وقوامك القويم الرطيب، قد غار كوكب مجدك، فكيف حالنا من بعدك؟ سيدي حبيب، آه أعياني النحيب.
قتلت أيا حبيب القلب ظلما
وأدرك ذاتك العليا الحمام
لفقدك كل ذي روح ينادي
على الدنيا ومن فيها السلام
إلهي امنح الملك صبرا على هذه المصيبة العظيمة!
غادر :
أواه! وا سيداه! ما هذه البلية الأليمة؟!
حليم :
غادر ها قلبه يختلج؛ انظر فعسى نشفيه.
غادر :
أمرك يا سيدي (حليم يجس نبض حبيب).
غادر (في نفسه) :
وعسى أتبعك فيه.
المنظر الخامس (حليم، غادر، جنود)
جندي (يدخل مع جنود غيره) :
هذا هو القاتل اللئيم.
غادر :
أغثني يا مولاي حليم.
جندي :
أمسكوه أيها الجنود (يحاول الجند القبض على غادر) .
حليم :
اتركوه أيها اللئام، فما فعل من الآثام؟
جندي :
وهل إثم أعظم من هذا أيها اللبيب، الذي قتل مولانا حبيب؟
غادر :
أنا! أنا! ما هذه التهمة؟ أنا! أنا! ما هذه النقمة؟ أنا التقي، أنا النقي، أنا الذاكر، أنا الشاكر، أنا الصائم، أنا القائم.
جندي :
صه يا دجال، اقبضوا عليه أيها الرجال. (يحاول الجند القبض على غادر.)
غادر :
أظهر براءتي أيها المتعال.
جندي :
آه يا قبيح الفعال؛ قتلت الأمير حبيب بكل جراءة، وتطلب من الله البراءة، اسحبوه أيها الجنود؛ ليسكن اللحود.
غادر :
دعوني، دعوني يا أخيار؛ لأحكي لكم ما صار.
جندي :
تكلم يا ابن الفجار.
غادر :
اعلموا أيها الأبرار أني دخلت هذا المكان؛ لأصطاد بعض طيور أو غزلان، فرأيت حليم بيده خنجر، ومولاي حبيب بدمه معفر، فسألته عن القاتل، فقال هو الفاعل، وهذا ما سمعته يا كرام، من فمه والسلام.
حليم :
غادر ما هذا البهتان؟
غادر :
اسكت أيها الخوان، أما أنت القاتل يا كنود؟ فتشوه أيها الجنود.
حليم :
وحياتك ما عندي خبر.
غادر :
أظهر يا غائل الخنجر؛ الذي قتلت به الحبيب الوحيد، والأمير الفريد. (يفتش الجند حليما، فيجدون معه الخنجر.)
غادر :
ها حصحص الحق، واتضح الصدق، آه يا خئون.
حليم :
غادر ما هذا الجنون؟
غادر :
ذق يا خائن الدمار؛ جزاء لك يا غدار.
حليم :
إني بريء ورب السموات، فارحموني أيها السادات، أهذا جزائي يا غادر؟
غادر :
اسكت يا فاجر، أمطري أيتها السموات نارا محرقة، وارشقي هذا الشقي بألف صاعقة؛ الذي اغتال فرقة السرور.
حليم :
آه أغثني يا غيور (يكبل الجنود حليما بالقيود).
المنظر السادس (المذكورون، الوزير)
الوزير (يدخل) :
خل عن ولدي أيها الغادر.
حليم :
آه يا أبي، قد بهتني هذا الفاجر، بقتل الأمير حبيب، وهو الذي قتله، وحق القريب المجيب.
غادر :
أنا! أنا؟! مع من وجد الخنجر؟
الجند :
مع حليم.
غادر :
المحسوس لا ينكر فعل ما فعل، وقال: إنه ما قتل.
حليم :
ويلك يا ظالم.
غادر :
شلت يداك يا أثيم.
حليم :
ما هذا الجحود؟
غادر :
اسحبوه أيها الجنود (يحاول الجنود سحب حليم.)
حليم :
غادر الأمان
يا أبي أغثني
خان ذا المهان
الوزير :
اتركوا الحبيب
قبل أن تحولوا
من هذا المكان
الجند :
أيها الوزير
تركه بعيد
ليس في الإمكان
حليم :
أيها الجنود
إنني تقي
طاهر الجنان
الجند :
كتفوه واسحبوه
أيها القوم الكرام
واصلبوه واجعلوه
عبرة بين الأنام
الوزير :
انظروا نقض العهود
من لئيم ذي نفاق
واشهدوا فعل الكنود
باتعاظ يا رفاق
الجند :
هيا للويل الوبيل
يا خئون والدمار
حليم :
يا أخي اذكر جميلي ... ... ...
غادر : ... ... ... ...
اسمعوا هذا الفشار
حليم :
بأن غلبي زاد كربي
وبرى جسمي الوبل
فسيجزي الله ربي
فاعلا ما قد فعل
الفصل الثالث
المنظر الأول (الملك قسطنطين، جندي)
الملك :
يبلى الحبيب وحزنه يتجدد
فكأنه في كل يوم يفقد
إن كان قد أمسى بعيدا نازحا
عني فإن سلو قلبي أبعد
هم يذكرون من الحبيب فضيلة
وأنا أعد النجم حين أعدد
تلك السجايا البيض عند محبها
مما يليق به اللباس الأسود
ويحي متى أنسى الذي طرد الكرى
وخياله عن مقلتي لا يطرد
ناديته فأجاب سائل أدمعي
والدمع أدرى بالجواب وأجود
يا راحلا رحل اصطباري بعده
هل بيننا يوم القيامة موعد
إن كنت لا تسمع نواحي في الحمى
فعلى ضريحك ألف دمع يشهد •••
آه إن الزمان علينا جار
وبدل صفونا بأكدار
قد غبت يا ولدي والقلب منذعر
ودمع عيني غدا كالسحب ينهمر
فارقتنا يا حبيب القلب يا سندي
من بعد بعدك طال الحزن والكدر
قد سار للصيد فاصطيد الحبيب فلا
يطيب لي بعدها ورد ولا صدر
الملك (إلى الجندي) :
وكيف تجاسر حليم على ما فعل؟
الجندي :
حليم يا مولاي، يدعي أنه ما قتل، مع أن غادرا شاهد على إقراره، وخنجره هذا برهان على إقراره.
الملك :
وأين هو الآن موجود؟
الجندي :
هو في السجن مكبل بالقيود.
الملك :
علي به الآن؛ لأذيقه الموت ألوان. (يخرج الجندي.)
الملك :
أفكر في عصر مضى لك مشرقا
فيرجع ضوء الشمس عندي مظلما
لئن عظمت فيك الرزية إننا
وجدناك منها في البرية أعظما
بكاك الهوى والريح شقت جيوبها
عليك وناح الرعد باسمك معلما
ومزق ثوب البرق واكتست الضحى
حدادا وقامت أنجم الجو مأتما
آه يا ولدي الحبيب، قصف غصن قدك الرطيب، وغار نجم محياك، خسرا لقاتلك الأفاك، شلت يداه من غائل خئون، كلم بفعله القلوب وقرح العيون.
عجل الحتوف عليه قبل أوانه
فغطاه قبل مظنة الأبرار
وكأن قلبي قبره وكأنه
في طيه سر من الأسرار
أبكيه ثم أقول معتذرا له
وفقت حين رحلت عن ذي الدار
جاورت أعدائي وجاور ربه
شتان بين جواره وجواري
أواه! وا ولداه! وإن كان البكاء مخلا بمقام الملوك، فأنا عشت لأسلك هذا السلوك، وأخرق هذه العادة البربرية، وأسلم نفسي للجبلة الطبيعية، وأبكي وأنوح، في كل غبوق وصبوح، حزنا على الحبيب، وجماله العجيب.
أبطأ الجند فضاعت فكري
من مصاب كاد يمحو أثري
ها أنا أذهب كي أقتله
لا يحك الجسم غير الظفر (يخرج الملك.)
المنظر الثاني (جند، حليم، الوزير، هزار، الملك، غادر، السياف)
جند :
جئنا بالنذل الذميم
الخئون المفتري
اللئيم ابن اللئيم
الكنود المجتري
أين ذو المجد الفخيم
المليك الأنور
ليرى ذل حليم ... ... ...
حليم : ... ... ...
ارحموني إني بري
الوزير :
اتركوا روح حياتي ... ... ...
الجند : ... ... ...
ارتجع هذا محال
حليم :
آه من لي بالممات؟! ... ... ...
جندي : ... ... ... ...
ستراه بك حال
حليم :
حسناتي سيئاتي أصبحت ... ...
جندي : ... ... ... ...
ماذا الضلال؟
فمتى السلطان يأتي
طال هذا الأمر طال
حليم :
مكنوني من وداع
والدي العاني الكليم
الجند :
لك من غير امتناع
هذا وداع يا رجيم
حليم :
أدمعي ذات انهماع
يا أبي الله كريم
قادر قبل ضياعي
على إظهار الغريم
الوزير :
أواه قد كسر ظهري، وحرت في أمري.
حليم :
والدي بلغ والدتي مني السلام، وقل لها إني بريء من الآثام؛ والله شهيد وعليم.
الوزير :
أسفي عليك يا ولدي حليم، أسف والد طال عزاه، وكثر من نوائب الزمان حزنه وبلاه.
حليم :
آه قد أتت ساعة المنون.
غادر :
إلى متى هذا الجنون؛ وعلى من هذا الندب والعويل؟
حليم :
ترفق أيها الجليل.
غادر :
بمن أرفق يا شقي؟
حليم :
بأخيك التقي النقي.
غادر :
كنت أخي قبل قتل الأمير حبيب، وأما الآن، والقريب المجيب؛ لا أعترف بك يا خوان، ولا أذكرك بعد بلسان.
حليم :
أهذا جزاء الإحسان؟
غادر :
اسكت يا مهان؛ وذق ثمرة غرسك، في مضيق رمسك.
الوزير :
آه يا قليل الوفا يا زنديق.
حليم :
دعه يا والدي الشفيق؛ دعه يفعل ما أراد، فأنا في قيد الانقياد، لما قدره الله وقضاه، وما يكون فيه رضاه، فلا يسعني سوى التسليم، لما حكم به الرءوف الرحيم. غادر أنا لا أتفرس فيك غير الصلاح، وها دمي لسيفك مباح، فأنت منه في حل، ولك المنة والفضل، وأشهدك يا من تنزه عن الفحشاء، ويا من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، أني أبرأت غادر مما نسبه إلي، وما ألقاه من البهتان لدي، بحياتي عليك، يا والدي لا تخرجه من بعد موتي من يديك، واجعله كولدك العزيز الوحيد، ولا تعامله إلا بما يشتهي ويريد، وأنت يا أخي غادر تذكر عهدنا الطاهر، ولا تنسني من الفاتحة، والأدعية الصالحة؛ لأنك الشقيق الشفيق، والصديق الرفيق. وأنت يا أبي، وحاسم كربي، لا تنساني من الدعاء، في كل صباح ومساء، وبلغ والدتي مني السلام، واطلب لي دعاها على الدوام؛ لتؤانسني في وحشتي، وتنعشني في وحدتي، فإني قد قربت أفقد المحيا، وأمسي في الرمس نسيا منسيا.
الوزير :
كفى يا ولدي فقد تمزقت أحشائي، وازداد حزني وبلائي، وها أمك آتية، ودموعها جارية. (تدخل هزار.)
هزار :
آه يا ولدي ما هذه القيود؟
الوزير (رافعا يديه إلى السماء) :
أغثنا يا ودود! هزار، ودعي ولدك الوحيد.
هزار :
آه عذابي شديد.
ألا يا دهر بالأحزان جرت
ألا يا دهر كم قلب كسرت
كأنك قد خلقت بلا عيون
الوزير :
أيا رباه ما هذي البلية؟ ... ... ... ... ...
حليم : ... ... ... ... ...
أيا أبتاه قد دنت المنية
الوزير :
أيا ولداه ما هذي الرزية؟ ... ... ... ... ...
حليم : ... ... ... ... ...
أيا أبتاه في الخلد العلية (يدخل الملك.)
الملك :
ألا مت أيها الباغي الأثيم
ومن بفعاله قلبي كليم
تهيأ للممات فحد سيفي
لسفك دماك جرد يا ذميم
حليم :
أيا ملك الورى عدلا فإني
بريء طاهر عاني تهيم
فعاملني بعفوك يا ملاذي
فأنت السمح والبر الرحيم
الملك :
كيف أرحمك يا أشقى البرية، وقد أذقت ولدي المنية؟ وكيف سمح لك قلبك القاسي بذلك، وهل ظننت بعد قتله النجاة من المهالك؟ فكن مستعدا يا ابن اللئام؛ لشرب كأس الحمام.
حليم :
مولاي أقسم بخالق الأنام، إني بريء من الآثام، وما نظرت ولدك إلا قتيلا، وبدمه معفر، وغادر عنده وبيده خنجر، فسألته من القاتل، فقال إنه هو الفاعل.
غادر :
اسكت يا منافق، فإنه وحياة رأسك غير صادق، مع من وجد الخنجر يا كنود ؟ أتظن أني مثلك يا جحود؟ أقتل وحيد المملكة، وألقي نفسي في التهلكة؟ أسفي عليك يا مولاي حبيب.
الملك (إلى حليم) :
قاتلك الله أيها الكئيب.
حليم :
احلم يا مولاي احلم، وأمهل علي واعلم، إني ما ارتكبت غير ذنب واحد، والله عليم وشاهد، وهو أني أخذت منه الخنجر؛ لأنجيه من فعله المنكر، وقصدت كتم الأمر، وما فعل من الوزر، فجازاني بالبهتان، والوقوع في الخسران، فإن كنت بهذا الفعل أستحق القتل، فأنا أشرب المنون بكل ارتياح؛ وإن كنت أستحق العفو، فتكون عاملتني بما أنت أهله من الصفح والسماح.
غادر :
ما هذا الكلام الذي ما تحته طائل، أسمعت أن أحدا يأخذ خنجرا من رجل قاتل؛ ليخلصه ويرمي نفسه، ويسكن بعدها رمسه؟ لا تسمع يا مولاي لكلام هذا المخاتل؛ لأنه وحق رأسك هو القاتل، وتشهد عليه هذه العسكر، إنه وجد معه الخنجر.
الملك (للجندي) :
أصحيح هذا الكلام؟
الجندي :
أي وحق رأسك يا ملك الأنام؛ إنا وجدنا الخنجر مع حليم.
غادر :
عبدك صادق يا مولاي الكريم؛ لا أشهد بالزور، ولا أتكلم بالفجور، وحيث اتضح الحال، وامتاز الصدق من المحال، فاقتل هذا الشرير، وأذقه عذاب السعير.
الملك :
أمطري يا سحب جمرا وضرام
وأحرقي هذا اللئيم ابن الحرام
جاحد الإحسان من أفعاله
سيئات وظلام في ظلام
فتهيأ للردى يا مجرما
ثم ذق من سيفي كاسات الحمام
حليم :
الأمان يا مولاي الأمان.
هزار :
ارحمه يا ملك الزمان، وارحم أدمعي الجارية، ومهجتي الفانية.
الملك :
ابعدي يا مجرمة.
هزار :
إلهي ما هذه البلية المؤلمة؟
الملك :
آه يا معدن السيئات.
حليم :
ارحمني يا بديع السموات.
الوزير :
ترفق أيها الملك الكريم، واحلم إن مولانا حليم.
الملك :
على من أحلم يا فاجر، أعلى ولدك الغادر؟ فخذها من يدي يا كنود.
الوزير :
خفض عليك يا ملك الزمان، أما عندك خدم وأعوان؟ فمر بقتله أحد الجند، فهو يكفيك القصد، وإن شئت أنا أقتله بين يديك، ولا أبخل بعدها بروحي عليك؛ لأني بعد فراق حبيب، وقتل ولدي النجيب، إذا وثقت بالدنيا، وركنت إلى ما فيها من الأشيا ، أكون كمن جعل له من السحاب حصنا، ومن الزوابع ركنا، ومن تأمل فيها بعين التبصر، وتفكر في تقلباتها بالعقل والتدبر، عد إقبالها إدبارا، ونسيمها إعصارا، وعطاءها أخذا، وعهدها نبذا، ووهبها نهبا، وإيجابها سلبا، وكثرتها قلة، وعزها ذلة، وضحكها نياحة، وطلاقها راحة، لا يدوم بها حزن ولا سرور، ولا فرح ولا حبور، ولا عزيز ولا مهان، ولا وزير ولا سلطان، بل كل ما سوى الله فان، ولا يبقى إلا الواحد الديان.
تأمل بما فوق التراب فإنه
تراب ولا يبقى سوى الواحد الأحد
هو المبدئ المغني وما له
شريك فجل الواحد الماجد الصمد
الملك :
حكمة وصواب، في لسان خلاب، قد عفوت عنك يا إسكندر بهذه العبارة، وخلعتك من الوزارة، لكن ولدك لا بد من قتله؛ جزاء له على سوء فعله، اقتله يا منتقم بعد ذهابي، وأتني بدمه لأذهب ما بي، اتبعني يا غادر.
غادر :
أمرك أيها الفاخر. (يخرج الملك وغادر.)
السياف :
اركع أمامي أيها الأثيم.
هزار :
آه يا ولدي حليم.
حليم :
ارحمني أيها الجلاد.
الوزير :
اتركوه يا أوغاد.
السياف :
امض يا مغضوب السلطان.
هزار :
عامله يا سيدي بالإحسان.
حليم :
أغثني يا جبار.
السياف :
آه يا ابن الفجار؛ ركعوه أيها الجنود.
حليم :
ارحمني يا معبود.
هزار :
ابعدوا عنه يا أشرار، اتركوه يا فجار، أغثه يا جابر المنكسرين، وأمان الخائفين، ورجاء السائلين، وغياث المستغيثين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير. (الوزير يعطي رشوة للسياف دون أن يراه أحد.)
السياف :
ما دمت أنت وأمك في هذا المكان، لا نقدر على تنفيذ أمر مولانا السلطان، فاتركوه الآن أيها الجنود؛ لنستريح من عناد هذا الكنود، وكل منكم يذهب إلى محله، وأنا أنفرد بعدها بقتله، وأقتل أباه بهذا الحسام، إن عارضني بعد ذلك والسلام.
حليم (لحن) :
ودعوني إخواني
هذا أمر سلطاني
هذا حكم رباني
ذا جزاء إحساني
الفصل الرابع
المنظر الأول (ترفع الستارة عن هيئة قبر، وهزار تندب بقربه)
هزار :
هي الدنيا تقول بملء فيها
حذار حذار من بطشي وفتكي
فلا يغرركم مني ابتسام
فقولي مضحك والفعل مبكي
آه أسفي عليك يا ولدي حليم، إن فؤادي على فراقك كليم، ودمعي لأجلك سجيم، وحزني عليك أليم، وبلائي جسيم، آه صبرني يا كريم، وارحمه يا رحيم!
جندي :
تواري يا مولاتي من هذا المكان، فالملك آت إلى هنا الآن؛ حيث إنه انتبه من رقاده، وهو في كرب عظيم، وسأل عن القبر الذي دفن فيه حليم.
هزار :
ماذا يريد الملك من حليم، أما جعله في رمسه رميم؟
جندي :
لا أدري يا مولاتي ما يريد.
هزار :
أواه يا ولدي الشهيد.
جندي :
تواري يا مولاتي بالعجل، فها هو قد أقبل (تذهب هزار).
المنظر الثاني (الملك، السياف، غادر)
الملك (يدخل) :
دهر خئون زلزل الأوطان
فبعذره وبمكره قد خانا
وا لوعتي سلب المنون أحبتي
وأنار في قلبي الشجي نيرانا
ومصائب لو أنها صبت على
رضوى لدكت أرضها الصوانا
ما هذا الخطب المذهل، ومن هذا الرجل المقبل؟ الذي جاءني في الحلم، وأنذرني عاقبة الظلم، وهددني بحربة تتلظى، وأفعمني نصيحة ووعظا؟ ما هذه الرؤية الهائلة؟ وما هذه المصيبة القاتلة؟ من يوضح لي الحق، ويخبرني بالصدق؟ آه وا مصيبتاه مهلا مهلا، مهلا أيها الحليم، عذرا أيها الكريم، والله ما قتلك إلا غادر، ولا أغراني إلا ذلك الغادر، آه يا ربي أظهر لي الحق، يا حق، وألهمني الصدق.
فلقد اشتعلت بجسمي النيران، أغثني يا رحمن.
الرشد ضاع من المصاب المؤلم
والعقل أمسى في خيال مظلم
هذا حليم أتى لنحوي صارخا
يا ظالما هذا دمي هذا دمي
حقا أرى دما أمامي جاريا
ويحي وهذا زفير نار جهنم
أحليم سامحني فلست بظالم
لا لا ولست بقاتل أو مجرم
السياف :
أبشر فهذا دم حليم سيدي.
الملك :
ابعد فحر النار أحرق أعظمي.
السياف :
لا بأس عليك يا مالك الرقاب، فما هذا الاضطراب؟
الملك :
هذا الاضطراب يا منتقم سببه أني رأيت رؤيا مريعة، أوقعتني في بلية شنيعة، وهو أني رأيت رجلا طويل القامة، وفي يده حربة نارية كالهامة، فهجم علي بحربته، فكدت أن أذوب من هجمته، وقال إنك ظلمت من حكمت عليه بالقتل، وما سلكت مسلك العدل، فقم واملأها قسطاسا وعدلا، كما أفعمتها جورا وظلما، وقال لي أيها الجلاد وأنا تائه عن الصواب:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم مصدره يفضي إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
قال هذا يا منتقم وغاب، وأنا غائب عن الصواب، وبعد هذا رأيت حليما ملطخا بدم البراءة، وكلمني بكل جسارة وجراءة، أسمعت بهتان غادر المهان، وقتلتني ظلما وعدوان، مع أنه هو القاتل، والخائن الخاتل؟ وفضل يؤنبني تأنيب المحق، وأنا بين يديه كالعبد الرق، وكان آخر كلامه، بعد تأنيبه وملامه:
ستلقى يا ظلوم إذا التقينا
غدا عند الإله من الظلوم
أما والله إن الظلم شؤم
وما زال الظلوم هو الملوم
إلى ديان يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصوم
قال هذا يا منتقم وغاب عن عيني وأنا غائب عن الصواب، فانتبهت وأنا أكابد لوعتي وأنيني فهذا هو سبب الاضطراب، فاصنع ما يذهب به ما بي، وافعل طريقة واستوضح الحقيقة.
السياف :
هذا يا مولاي أمر ليس بعسير؛ حيث إن غادرا شرير، فأنا أدخل عليه بأسلوب عجيب، وأظهر له بغض حليم وحبيب، وأكثر له القدح والملق، فعساه يتكلم الصدق.
الملك :
آه يا منتقم لو أقر ذلك الأفاك؛ لأنيلك وحياة رأسي مشتهاك.
السياف :
لا تفتكر يا مولاي فأنا أبذل كل جهدي، وها هو قد أقبل فاختف لألقاه وحدي. (يختفي الملك.)
غادر (يدخل) :
مات الشقاء والكدر
وزال عنا الضرر
وشخص من أبغضه
اليوم أمسى في سقر
حليم يا أشقى البشر
بموتك الأنس اشتهر
ونال غادر الوطر
لما علاك الأبتر
كذاك أنت يا حبيب
جزاك مولاك الرقيب
السياف :
أهلا وسهلا بالحبيب
المنعم السمح الشفيق
آه يا حبيب القلوب، ومفرج الكروب، طب نفسا يا أخي غادر، لقد هلك عدوك الفاجر، وهذا دمه اشرب منه بكل سرور، وأسقيك الباقي لنحصل على الحبور.
غادر (يشرب جرعة من الدم ثم يقول) :
آه.
من عاش بعد عدوه
يوما فقد بلغ المنى
لا رحم الله ثراك يا رجيم، ولا زلت في حضيض الجحيم ، الآن تم ارتياحي، وتكاملت أفراحي، يا قرة العيون، ومذهب الشجون، حقا خلصتني من عدو مهان، وصيرتني أسير إحسانك مدى الزمان.
السياف :
بل أنا غريق إحسانك، وكرمك لأنك قتلت عدوي حبيب اللئيم، وأنا قتلت عدوك حليم الذميم، فكلانا على أخيه منعم، ولكن فضلك هو الأعظم؛ لأني كلما تذكرت ذلك الظلوم، يتلظى فؤادي المكلوم، فلا رحم الله روحك يا حبيب، ولا بل ثراك وابل يا كثيب، آه ثم آه أما كنت تراه يا أخي غادر، حينما كان يحتقرني ذلك الفاجر؟ دعني بالله عليك، أن أقبل قدميك.
غادر :
لا تفعل بالله يا أخي لا تفعل.
السياف :
حفظك الله أيها البطل، اذكر لي بالله عليك أيها المصان، كيف كان هلاك ذلك المهان، وكيف ضربته بالخنجر، وأذهبت روحه إلى سقر؟ لينتعش فؤادي، وأتحصل على مرادي.
غادر :
قد ضربته يا أخي بالخنجر في نحره، واتهمت بقتله حليم فلحقه على أثره، وصفا لي الوقت بغير رقيب، كما صفا لك بقتل حبيب، ولا بد ما أحتال على قتل أبيه الوزير، وبعدها أمرح في ماله الكثير.
نلت المنى ورقيت هام الهمم
لما قتلت حبيبا يا أخا الكرم
وقد تهمت حليما بعد قتلته
فحل من سيفك الفتاك في عدم
بشراي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... (يظهر الملك.)
الملك : ... بشراك يا نسل اللئام بما
يرميك في شرك الأهوال والندم
غادر :
ويحي فقد حان حيني جئت معترفا
كيف الخلاص إذن وا زلة القدم
الملك :
آه يا لئيم، اقبضوا على هذا الشيطان الرجيم.
غادر :
ويلاه لقد زل اللسان، ووقعت في الخسران.
الملك :
خسرا لك أيها الشيطان؛ كيف احتميت في حمى النفاق، وتسترت في حجاب الفساق؟ وألبست علي الأمر، وأوقعتني بعدها في الوزر، بعدما قتلت ولدي، وأحرقت عليه كبدي؟
غادر :
ارحمني يا ملك الزمان.
الملك :
كيف أرحمك يا مهان؛ بعد قتل الحبيب وحليم؛ اسحبوا هذا المجرم الأثيم، وكبلوه بالقيود والأغلال، فقد وقع في النكال. (يكتف الجند غادرا، ويأخذونه إلى السجن.)
الملك :
قد ظهر الحق يا منتقم، ولكن آه قلبي يضطرم، أواه ما هذه النيران، ماذا أرى في هذا المكان ؟
السياف :
سلامتك يا ملك الزمان.
الملك :
دعني يا منتقم دعني، ما هذه الحال؟ وا مصيبتاه لست بقتال، حليم حليم أنا ما قتلتك يا بني، ما هذا الضلال والغي؟ سامحني أيها البري، أواه قد ضاعت فكري، تمتع يا حليم بالنعيم المقيم، وأنا في العذاب الأليم، انظر يا منتقم خيال حليم، ارحمني يا رحيم.
السياف :
يا ربي ما هذه الأحوال؟
الملك :
ارجع أيها الخيال، واعف عني، وسامحني، قاتلك غادر، نجني يا قادر، ما هذا الهاجم؟ إني لست بظالم، ما هذا السيف المسلول؟
السياف :
هذه درجة الذهول؛ مولاي ما هذا الجزع؟
الملك :
آه يا منتقم فؤادي انصدع، من الذي ارتكبته بقتل حليم البري، وها خياله مقبل ليمحو أثري، يا سلام!
السياف :
دع يا مولاي هذه الأوهام، وابشر بحياة الأمير حليم.
الملك :
منتقم ماذا تقول؟ أصدق هذا الكلام؟
السياف :
أي وحياتك يا ملك الأنام؛ إنه في قيد الحياة، آمن من الكرب وعناه.
الملك :
الآن ذهبت أتراحي، وحصلت على انشراحي، وأين هو الآن أيها الأنور؟
السياف :
هو عند عبدك مع أبيه الوزير إسكندر؛ الذي سلبت منه نعمتك، وأنزلت عليه غضبك ونقمتك.
الملك :
نعم، حصل مني ذلك، وسأجزيك على أفعالك، فاذهب وأحضرهما الآن، لنذهب عنهما الأحزان. (يذهب السياف.)
ومن يضع الكرامة في لئيم
تراه قد أساء إلى الكرامة
وقد ذهبت صنيعته ضياعا
وكان جزاء فاعلها الندامة
المنظر الثالث (الملك، السياف، الوزير، حليم، جند، غادر)
الجميع (لحن) :
ظهر الحق وبان
أيها المولى الكريم
وتلظى بالهوان
غادر النذل الذميم
الملك (لوزيره) :
قد ظهر الحق أيها الوزير، ووقع في الشرك غادر الختير.
الوزير :
الحمد لله الذي ألبس ولدي ثوب البراءة، وأعاد على غادر عاقبة ما فعل من الغدر والجراءة.
الملك :
حيث اتضحت براءة ولدك بعدما أمرنا عليه بالقتل، وتأكدنا صدقك بعد أن أذقناك علقم العزل، قد صدر أمرنا بتقليدك مسند الوزارة؛ لتدوم بعواطف مكارمنا الكريمة، وأنعمت على ولدك بزواج ابنتي بديعة؛ لتذهب بالسرور أتعابه المريعة.
الجميع (لحن) :
أشرقت شمس التهاني
في سماء الارتياح
وازدهى نجم الأماني
بسرور وانشراح
دمت يا قان الوجود
في ذرى العلياء سامي
بصفاء وسعود
في ابتداء وختام
الملك :
أحضروا غادر الخوان؛ لنذيقه كأس الهوان.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فوضع الندى في موضع السيف في العلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى (يدخل الجند ومعهم غادر مكبل بالقيود.)
غادر :
أتيت معترفا بالذنب يا سندي
فاسمح فمثلك من يعفو عن الجاني
أنت الحليم الذي ترجى مراحمه
انظر حليم أخاك المنظر العاني
فاشفع له ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
حليم : ... ... يا إلهي نجه كرما
من كربه فاعف عنه ... ...
غادر : ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ذاب جسماني
حليم دمعي جرى كالسحب ... ... ... ... ... ... ...
حليم : ... ... ... ... وا أسفي ... ... ... ... ...
غادر : ... ... ... ... ... ...
ماذا البكاء أخي عامل بإحسان
واسمح وسامح عبيدا جاء معترفا
مما جناه ... ... ...
حليم : ... ... ... ... ... ... ... طمى تيار أحزاني
الملك :
ما ذا الحال يا حليم، وكيف أعفو عن هذا الأثيم؛ بعدما قتل ولدي المصان، وأوقعك بعدها بالزور والبهتان؟ أيمكن هذا أيها الوزير؟
حليم :
حلمك يا مولاي الشهير؛ جرأني أن أطلب العفو عن غادر؛ ليصير مجبور الخاطر؛ حيث أعز الناس من يعفو إذا قدر، ويصفح إذا انتصر، فعامل عبدك غادر الجاني، بما قاله أبو فراس الحمداني:
يجني الخليل وأستجني جنايته
حتى يدل على عفو وإحسان
يجني علي وأحنو دائما أبدا
لا شيء أحسن من حان على جاني
غادر (يركع) :
مولاي.
حليم :
لا تقنط يا غادر من المغفرة؛ فالعفو ثمرة المعذرة.
ينيلك العفو على قدرة
ويغفر الذنب على علمه
من كان يأنف من أن يرى
ذنب امرئ أعظم من حلمه
غادر (يبكي ويقول) :
ما أذنب يا مولاي من اعتذر، ولا أساء من استغفر؛ فالأصاغر يهفون، والأكابر يعفون.
بك أستجير من الردى
متعوذا من سطو بأسك
وحياة رأسك لا أعو
د لمثلها وحياة رأسك
الملك :
فيا رب هبني منك حلما فإنني
أرى الحلم لم يندم عليه حليم
قد عفوت عنك يا غادر كرامة لحليم، وأرجعتك لما كنت فيه من النعيم، فاحمد الواحد القهار، الذي أنقذك من الدمار.
غادر :
الحمد للوهاب ذي الإكرام
مبدي الوجود مصرف الأحكام
المنعم البر الرحيم ومن به
عوفيت من ضعفي ومن أسقامي
يا عين قري قد نجوت من البلا
يا قلب قد نلت أهنا مرام
وبلغت ما أملت من ملك العلا
بشفاعة النذل المهيج ضرامي
حسدا وبغضا لا أحب صيانة
فارجع بعفوك يا مليكا سامي
أنا قبل قتل حبيب ما كافأته
وتهمته زورا وهذا كلامي
ليموت قتلا ثم أمرح بعده
بالخير والإسعاد والإنعام
والآن لا أرضى الحياة بذلة
بل عزتي موتي وسحق عظامي
من أين للجاني الشقي سعادة
أو أين للغدار حفظ ذمام
اللؤم طبعي والضلال سجيتي
والطبع تحت الروح في الأجسام
قد زال عمري بالسرور وبالعنا
وسئمت من غدري ومن إعدامي
أنا غادر أنا ماكر أنا فاجر
أنا ناكر أنا حافر أنا رامي
يا حاضرين تنبهوا وتأملوا
وتذكروا فعلي مدى الأيام
ثم افهموا أن الأثيم مصابه
كمصائبي وختامه كختامي
الملك :
لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله!
الوزير :
إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم
مصيرك حقا في حضيض جهنم
الجميع (لحن) :
غادر للخطأ قد تعمد
فمضى للعذاب المؤبد
هكذا كل من تمرد
سائر للعذاب المستديم
في لظى نار الجحيم
فاحذروا الأشرار أهل الفضل
وادعوا للسلطان مولى الحمد
وفق يا رحمن يا نعم المنان
وانصر يا ديان مولانا السلطان
واحفظ بالإيناس مولانا العباس
طاهر الأنفاس يا مولى الأنام
آمان
احفظ يا كريم
وأدم عزه المستديم
فالهنا لنا ونلنا المنى
ودمنا في هنا بحسن الختام
سلام
Неизвестная страница