فصل في بيان آثار للحرارة والبرودة في الأجسام
وينبغي أن تعلم أن الحرارة التي من قوى البسائط إذا صادفت مادة مختلطة من رطب ويابس حللت الرطب الذي فيها فازداد الجسم قبولا لحد الرطب حتى إذا أبانته عنه بالتبخير اجتمع فيه اليابس وصلب فيحصل عنها في أول الأمر لين فإذا لان ولاقى البارد ذلك الجسم كثفه فصار تكثيفه أشد مما كان أولا إذا اليابس فيه الآن أكثر مما كان ثم إذا فنيت الرطوبة بأسرها بقي يابسا لا اجتماع له لأن الاجتماع إنما كان بالنداوة وقد تبخرت وربما سخنت الحرارة من الشيء ظاهره فتبرد باطنه بالتعاقب الجاري بين الطبائع المتضادة وليس معنى هذا التعاقب أن الحرارة والبرودة تنتقل وتتحرك من جزء إلى جزء ولا أنها تشعر بضدها فتهزم عنه - بل إذا استولى ضد على ظاهر الشيء غصبت القوة المسخنة التي فيه أو المبردة بعض المادة المطيفة به المنفعلة عنه فبقي المنفعل أقل مما كان وإذا قل المنفعل اشتد فيه الفعل وقوي وظهر ثم إذا سلمت المادة له كلها انتشر التأثير في الكل فضعف فإذا اتفق أن كان في شيء واحد قوة مسخنة ومبردة فأيهما غلب على الظاهر قوى فعل ضده في الباطن إلا أن يغلب فيغصب جميع المادة ظاهرها وباطنها - وقد يفعل الحقن ضد فعل التبخير مثل إن الحرارة إذا بخرت الجوهر المسخن في الباطن ضعفت الحرارة الباطنة وإن البرودة إذا حقنت الجوهر المسخن في الباطن قويت الحرارة الباطنة ولذلك توجد الأجواف في الصيف أبرد والبرودة ربما خلخلت الشيء بالعرض فتقوى الحرارة في باطن الجسم بالاحتقان ثم تستولي البرودة على المادة أخيرا والبرودة تفعل في جميع ما قلناه ضد فعل الحرارة فيصلب المركب من يابس ورطب أولا فيمكن حينئذ أن يعرض ما قلنا من تقوى الحرارة باطنا ويمكن أن لا يعرض فيزول التصليب البتة بل لا يزال يشتد - وهذه الكيفيات إذا اجتمعت في المركب فعل بعضها في بعض فحصل من المركب مزاج مخالف لكيفيات البسائط فتكون البسائط فيه لا على ما هي على حد البساطة المفردة عن التركيب بل تكون صورها الذاتية محفوظة غير فاسدة لأن فسادها إلى أضدادها دفعة وأضدادها أيضا بسيطة وعناصر لا مركبات وكيف لا تكون فيه ثابتة والشيء المركب إنما هو مركب عن أجزاء فيه مختلفة وإلا كان بسيطا ولا يقبل الأشد والأضعف وأما كيفياتها ولواحقها فتكون قد توسطت ونقصت عما كانت فيه من حد الصرافة والسورة للبساطة.
Страница 126