يا صاحب العظمة:
لم يكن لزملائي ولي، ونحن نشاطر الأمة أمانيها في الاستقلال إلا أن نقر الوفد الرسمي الذي تولى المفاوضات لعقد اتفاق مع بريطانيا العظمى على ما فعل، فلم يسعنا أن نتولى أعباء الحكم ما دامت المبادئ التي تسترشد بها الحكومة البريطانية في سياستها نحو مصر هي تلك التي كانت تظهر من مشروع 10 نوفمبر الماضي، ومن المذكرة التفسيرية التي تلته، فإن تولي الحكم في ظل مثل هذه المبادئ قد يكون فيه معنى القبول بها.
غير أن الكتاب الذي رفعه فخامة المندوب السامي البريطاني إلى عظمتكم، وتصريح الحكومة البريطانية في البرلمان، قد أحدثا في الحالة تغييرا كبيرا؛ فأصبح من الممكن أن تتألف هذه الوزارة؛ إذ إنها ترى أن الشعور القومي أصاب ترضية من هاتين الوثيقتين لا من ناحية الاعتراف بالاستقلال حالا، وقبيل أي اتفاق فحسب، بل ولأن المفاوضات ستكون حرة غير مقيدة بأي تعهد سابق.
أما وقد جزنا هذا الدور بخير فلم يبق على مصر إلا أن تثبت لبريطانيا العظمى أن ليس بها في سبيل حماية مصالحها من حاجة للتشدد في طلب ضمانات، قد يكون فيها مساس باستقلالنا، وأن خير الضمانات في هذا الصدد وأجلها أثرا هي حسن نية مصر، ومصلحتها في حفظ العهود.
على أن الوزارة ترى أنه لكي تكون جهود البلاد في سبيل تحقيق كامل أمانيها بحيث تؤتي جميع ثمرها يجب أن يؤلف بين عمل الحكومة، وبين عمل هيئة تنوب عن الأمة، وأن تسعى الهيئتان متساندتين لأغراض متحدة.
ولذلك فإن الوزارة عملا بأوامر عظمتكم ستأخذ في الحال في إعداد مشروع دستور طبقا لمبادئ القانون العام الحديث، وسيقرر هذا الدستور مبدأ المسؤولية الوزارية، ويكون بذلك للهيئة النيابية حق الإشراف على العمل السياسي المقبل.
وغني عن البيان أن إنفاذ هذا الدستور يقتضي إلغاء الأحكام العرفية، وأنه على أي حال يجب أن تجرى الانتخابات في أحوال عادية، وفي ظل نظام تمتنع معه جميع التدابير الاستثنائية، وقد سلمت بهذا الوثيقتان اللتان أبلغتا أخيرا إلى عظمتكم، وستتخذ الوزارة بلا إمهال ما يدعو إليه الأمر في ذلك من التدابير، كما أنها ستبذل جهدها اعتمادا على حسن موقف الأمة في الحصول على الرجوع فيما اتخذ من التدابير المقيدة للحرية عملا بالأحكام العرفية.
هذا وإن إعادة منصب وزير الخارجية ستعين على العمل لتحقيق التمثيل السياسي والقنصلي لمصر في الخارج.
ونظرا لأن النظام الإداري الحالي لا يتفق مع النظام السياسي الجديد، ومع الأنظمة الديمقراطية التي ستمنحها البلاد، فإن الوزارة قد اعتزمت أن تتولى الأمر بنفسها، وبلا شريك في الحكم الذي ستتحمل كل مسؤوليته أمام الهيئة النيابية المصرية، وسيكون رائدها في إدارة شؤون الأمة توجيهها إلى المصلحة القومية دون غيرها.
والوزارة موقنة بأن أكبر عامل لنجاح مصر في تسوية المسائل التي بقي حلها، وأقوى حجة تستعين بها في تأييد وجهة نظرها هو أن تقبل على هذا الدور الجديد متحدة الكلمة، مؤتلفة القلوب، وأن تأخذ بدواعي النظام، وتلتزم جانب الحكمة.
Неизвестная страница