وذلك أن يأتي الشاعرُ ببيتٍ يكون عدد كلمات النصف الأول منه كعدد كلماتِ النصف الأخير وتكون الأجزاء متساويةً. ومتى تغيّر شيءٌ من أجزائه إذا تقطّع، أو زادَ فيها أو نقصَ، لم تحْصُلْ الموازنة. وكذلك إذا استوتِ الأجزاءُ وتغيرتِ الكلماتُ بزيادةٍ أو نقيصة، وهذا لا يكادُ يحصُلُ للشاعرِ إلا بعد معرفةِ العَروضِ. وأما أن يقع اتفاقًا من غيرِ قصدٍ له فغيرُ معْتَدٍّ بوقوعه وقد اتفق وقوعُ ذلك في أشعارِ العرب من غير قصد له كثيرًا. قال معقّر البارقيّ:
ومرّوا بأطنابِ البيوتِ فردّهُم ... رجالٌ بأطرافِ الرماحِ مساعرُ
تقطيعُه: ومَرْروا بأطنابلْ بُيُوتِ فَرَْدَهُم فعولُنْ مفاعيلُنْ فعولُ مفاعِلُن رِجالٌ بأطرافِر رماحِ مساعِرُ فعُولُنْ مفاعيلُنْ فَعولُ مفاعِلُن وقال الكِنْدي:
لَنا غنَمٌ نُسوّقُها غِزارٌ ... كأنّ قُرونَ جِلَّتِها عِصيُّ
تقطيعهُ: لَنا غَنَمُنْ نُسَوْوِقُها غِزارُن مفاعَلَتُن مُفاعَلتُن فَعولُنْ كأن نقرو نَجِلْلَتِها عِصيْيوُ مُفاعلَتُن مفاعلتُن فعولُنْ وقال آخر:
لَمِنْ دِمْنَةٌ أقْفَرَتْ ... لسَلْمى بذاتِ الغَضا
تقطيعه: لَمِنْ دِمْ نَتُنْ أقْفَرَتْ فَعولُنْ فَعولُنْ فَعَلْ لسَلمى بذاتِلْ غَضا فَعولُنْ فَعولُنْ فعَلْ ومن أشجار الجِن:
أشَجاكَ تشَتُّتُ شعْبِ الحيْ ... يِ فأنتَ لهُ أرِقٌ وَصِبُ
هذا البيتُ قد تساوَتْ كلماتُهُ وأجزاؤهُ، إلا أن نصفَه الأول في الياء الأولى منَ الحيّ، وبقيتْ الياءُ الثانية مع النصفِ الأخير فخرجَ عن شرْطِ الموازنة. وتقطيعه: أشَجا كَتَشَتْ تُتُشَعْ بِلْحَيْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فَعِلُنْ فعْلُنْ يفَأَنْ تَلَهُو أرِقُنْ وَصِبُو فَعِلُنْ فعِلُنْ فعِلُنْ فعِلُنْ ولو تساوت الكلماتُ وتماثلَ نصفا البيتِ وتغيرَ شيءٌ من الأجزاء لبطَلَتْ الموازنة كقول الشاعر:
أفادَ فجادَ، وسادَ فقادَ ... وقادَ فزادَ، وعادَ فأفْضَلْ
فعَولُ فعُولُ فعُولُ فَعولُ ... فَعولُ فَعولُ فَعولُ فَعولُنْ
فخرج عن الشرط لانتقال فَعولُ الى فَعولُنْ، وكذلك لو تساوت الأجزاءُ وزادَ في الكلمات أو نقَصَ لبَطُلَ اشرطُ. كما قال الشاعر:
إذا لم تسْتَطِعْ شيئًا فدَعْهُ ... وجاوِزْه الى ما تستطيعُ
النصفُ الأول أكثرُ من الأخير بكلمة وأجزاؤه متساوية. تقطيعه: إذا لمْ تَسْ تَطِعْشَيْأَنْ فدَعْهُو مفاعيلُنْ مفاعيلُنْ فعُولنْ وجاوِزْهُ الى ما تَسْ تَطِيعو مفاعيلُنْ مفاعيلُنْ فعولُنْ وهذا مثالٌ في هذا الباب مُقنِعٌ. ومنها:
باب التجنيس
وهو أن يأتي الشاعرُ بكلمتين مُقترنتين متقاربتين في الوزْنِ، غير متباعدَتَيْن في النظم، غير نافرتين عن الفهْم، يتقبّلُهما السّمْعُ، ولا ينبو عنهما الطبعُ. فإن زادَ في التجنيس فثلّثَ كان ذلكَ فسادًا في الصّنعةِ لأن الكلمتين تتقابلان وتنفردُ الأخرى بغير قرينة، وربما استحسنَ قومٌ من ذلك شيئًا لكثرة استعمالِه وأُنس السّمْعِ به، كقول الطائي:
سلّم على الرَّبْعِ من سَلْمَى بذي سَلَمِ
فقوله: سلّم وسَلَم كلمتان متقابلتان، وانفردتْ لفظةُ سَلمي بغير قرينةٍ وإنما لأُنسِ السّمعِ باسم سَلْمى والسّلام والسَّلَم صار كأنه شيءٌ واحدٌ، ولوْ ربّعَ لصحّتِ المُقابلة، وإن ثَقُلَتْ الألفاظُ على السّمْعِ والقلبِ، وعاد التكلفُ ظاهِرًا عليها. مثالُ التربيعِ أنه كان يقول:
سلّمْ سَلمْتَ على سَلْمى بذي سَلَمِ
كما قال مسلم بنُ الوليدِ في صفةِ الخمْرِ:
سُلَّتْ وسُلّتْ ثم سُلَّ سَليلُها ... فأتى سَليلُ سَليلِها مسْلولا
يريدُ أنّها سُلّتْ من كرمِها عِنَبًا، ثم سُلّتْ من عِنَبِها خمرًا، ثم سُلّتِ الخمرُ من دنِّها. وقيلَ بل أراد رقَّتَها وأنها قد صارتْ مسلولةً من السِّلِّ الذي هو العِلّة. وليس على قُبْحِ هذا البيت زيادة. وقد كان الأصمعيّ يستَبْشِعُ قولَ الشاعر:
فما للنّوَى، جَدَّ النّوى، قَطعَ النّوى ... كذاك النّوى قطّاعةٌ لوِصالِ
ويقول: لو سلّط الله على هذا البيت شاةً لأكلتْ نواهُ، وأراحتِ الناسَ منه. وأنشد إسحاق المَوْصِلي الأصمعيَّ قولَه:
1 / 10