وان أحدا غير ما ذكرناه غير متمكن من المعارضة ، وذلك مانع من التجويز الذي قدروه في السؤال في أن جهة انتفاء المعارضة هي التعذر.
اعلم أن ارتفاع الفعل من فاعله مع علمنا من توفر دواعيه إليه ، وقوة بواعثه عليه دليل على تعذره ، ولهذه الطريقة قطعنا على أن الألوان والجواهر وما جرى مجراهما من الأجناس غير مقدورة لنا ، وإذا انضاف إلى ارتفاع الفعل مع قوة الدواعي علمنا بارتفاع الموانع قضينا بأن الفعل غير مقدور لمن تعذر عليه ، وإذا تعذرت هذه الجملة وعلمنا أن العرب تحدوا بالقرآن فلم يعارضوه مع قوة الدواعي وشدة الحاجة إلى المعارضة علمنا أنها متعذرة عليهم ، فإذا انضاف إلى العدول عن المعارضة تكلف الأمور الشاقة ، كالحرب وما يجري مجراها مما لا حاجة لهم فيه ولو بلغوا إلى كل غاية منهم قوي علمنا بتعذر المعارضة عليهم.
وقد طعن المخالفون فيما ذكرناه بطعون رجوعها إلى أصل واحد ، وهو توفر دواعي المعارضة وتلفيق صوارف عنها إن طالبوا بالدلالة على أن دواعيهم إليها كانت قوية وموجبة لأن يفعلوها لا محالة إن كانوا قادرين عليها :
الأول : أن قالوا : جوزنا دخول الشبهة عليهم في المعارضة وأن تركها أولى من فعلها من غير تعيين لوجه هذه الشبهة.
والثاني : قولهم : لعلهم اعتقدوا أن الحرب أولى من المعارضة ؛ لأنها مريحة ومنجية والمعارضة ليست كذلك.
والثالث : أن يكونوا خافوا أن يعارضوا فيقع خلاف فيما يعارضون به ، وهل هو في موقعه أو غير موقعه ، ويتردد خوض ونزاع يقوى معه الشوكة ، وتكثر معه العدة وينتهي الأمر إلى الحرب ، فقدموا إلى ما لا بد من المصير إليه.
الرابع : أن المماثلة التي دعوا إلى الإتيان بها أشكل عليهم المراد بها ، وهل أريد بها المماثلة في الفصاحة أو في النظم أو فيهما أو في غيرهما ، فعدلوا إلى الحرب لهذا الاشتباه؟
Страница 317