103

أما الوجه الأول ، فلا يصح على إطلاقه ؛ لأنه غير ممتنع أن تتفق دواعي الأمة إلى كتمان حادث من الحوادث ، أو حكم من الأحكام ، حتى لا ينقله منهم إلا الآحاد ، فلا يجب إذا أن يقطع على بطلان خبر الواحد عنه من حيث لم ينقله الجميع إلا بعد أن يعلم انتفاء دواع عن طيه وكتمانه ، وأنه مع العادة لا يجوز ذلك فيه ، فأما إذا لم يعلم ذلك جوزنا كون الخبر صادقا ، وإن لم ينقله الجميع أو الأكثر. وقولهم : لا يجوز أن يكلف الله تعالى ما لم تقم الحجة عليه صحيح ، إلا أنه ليس كل حجة على هذا الحكم هو إخبار الجماعات ، وغير ممتنع أن تكون الحجة به قائمة وإن كتمه الأكثر من جهة قول إمام الزمان إذا بينه وأوضح عنه.

والوجه الثاني يجري مجرى الأول في فساد إطلاق القول فيه ، ووجوب تقييده بما أشرنا إليه.

وأما الوجه الثالث ، فلا شبهة في أنا إذا علمنا أن الدواعي إلى نقله ثابتة ، والصوارف عن ذلك مرتفعة ، ثم لم ينقل علمنا بطلانه ، وبقي أن يكون ذلك معلوما ، وربما ادعيت هذه الحال فيما هو بخلافها ، ولهذا يكذب الواحد إذا أخبرنا بأن بين بغداد وواسط مدينة هي أكبر من بغداد وأكثر أهلا ويكذب من ادعى أن القران عورض ، وعول على رواية الواحد ؛ لأنا نعلم كثرة أعداء الدين وانتشارهم في الشرق والغرب ، فكان يجب ظهور نقل هذه المعارضة فيهم إن منع من انتشارها بين المسلمين خوف منهم.

والوجه الآخر شرط فيه أن تكون العادة تمنع من ضعف مثله ، وتوجب استمرار الشياع والإذاعة فيه ، ومع هذا الشرط الأمر على ما ذكر.

[السادس] : فصل فيما لا يعلم كونه صدقا ولا كذبا من الأخبار

اعلم أن كل خبر روي ولا طريق من ضرورة ولا اكتساب إلى العلم بكونه صدقا ولا كذبا ، فالتجويز للأمرين قائم فيه.

Страница 221