Надхат Райхана
نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة
وأطارَ عنِّي النَّومَ طيفٌ طارقٌ ... قطع القِفارَ وجاوزَ القاموسا
أفلحْتَ كيفَ وصلتَ لِلْوَنَدِيكِ من ... أقصَى البلادِ وجئتَها جاسوسا
أم كيف خلَّفتَ الشَّآمَ وأهلَهُ ... وتركتَ وادِي النيْيرَبِ المأنوسا
أرضٌ إذا سرَّحتْ طرفكَ خِلتها ... روضًا يقِلُّ على الغصونِ شموسا
أن كانَ غيَّرها الزمانُ فإنَّني ... أمسيتُ منِّي قبلها مأيوسا
والحبُّ أمرٌ حارَ فيهِ أٌلُو النُّهى ... وأضَل بقراطًا وجالينوسا
كالدَّهرِ يلعبُ ما يشاءُ بأهلِه ... يضعُ الرئيسَ ويرفعُ المرؤوسا
لا سامحَ الله النَّوى من كافرٍ ... عبدٍ ولا رحِمَ الرَّحيمُ العيسا
ومهامةٍ قفرٍ يضِلُّ بها القطا ... ويرى الدَّليلُ بسهلِها التَّغليسا
للجِنِّ في أقدارِها زجلٌ فلا ... تلقى بها إنسًا وليس أنيسا
العرب إذا وصفت المكان بالبعد جعلته مساكن الجن، كقول الأخطل:
ملاعبُ جِنَّانٍ كأنَّ تُرابها ... إذا اطَّرَدَتْ فيها الرِّياحُ مُغَربَلُ
وقول ذي الرُّمَّة:
للجِنِّ باللَّيلِ في حافاتِها زجلٌ ... كما تجاوَبَ يومَ الرِّيحِ عَيْشومُ
وهو نبت، أو شجر.
سايرتُ فيهِ النَّيِّراتِ بسابقٍ ... يحكِي المهاةَ ويشبهُ الطَّاووسا
كالبرقِ مَرًّا والغَمامِ تأوُّبًا ... والمِسكِ نفحًا والنَّقا ملموسا
يُلقي الصَّواعقَ من حوافِرِه إذا ... وَطِئَ الجنادلَ حين لاتَ وطيسا
نشوانُ كالبرجِ المشَيَّدِ فوقه ... بطلٌ يجرُّ من المهابِ خميسا
متقلِّدٍ زُرقَ النِّصالِ كأنَّما ... خُلِقتْ لتردِي الضَّارياتِ نُفوسا
نهبتْ من الأعمارِ ما بقيتْ به ... وتجرَّعتْ ماءَ الحِمامِ بَئيسا
ترمي بها حَنْيَ الضُّلوعِ قواضِبٌ ... كحواجبِ الغيدِ الخرائدِ شوسا
لو خالها الكُسَعِيُّ سحرة ليلةٍ ... ذمَّ الحريصَ وأحمدَ التَّعريسا
أو صادمتْ صمَّ الجبالِ تصدَّعتْ ... وبنتْ لكلِّ حديدةٍ ناووسا
وتسابقُ الأقدارَ منها أسهمٌ ... تَفرِي الرُّجومَ ويرهب القابوسا
من حاذقٍ أو طارقٍ أم حاذمٍ ... أو زاهقٍ لا يقبلُ التَّلبيسا
فكأنَّها أقلامُ أفضلِ من مشى ... فوق الثَّرى وحوى الفخارَ رئيسا
فَرعُ المعالي خيرُ من بلغَ السُّهى ... مجدًا وسامى في العلا إدريسا
والفارسُ الكرَّارُ مغوارُ الوغى ... ومعيدُ سعدِ المشركين نُحوسا
بالفضلِ أكدَّ ما الأوائلُ أسَّسوا ... وأفادنا التَّأكيدَ والتَّأسيسا
ندعو بسطوتِه الزَّمانَ فيرعوي ... فرقًا ونطرد باسمِه إبليسا
ونخطُّ أحرفهُ الكريمةَ رقيَةً ... لشفاءِ ما أعيَى أرسطاليسا
يردِي الحسامَ بجسمِ من أردى بهَ ... ويردُّ مبتسم الكُماةِ عبوسا
قد أنطقَ الإسلامَ صامتُ سيفِه ... بعد السُّكوتِ وأخرسَ الناقوسا
يا من ثملتُ على السَّماعِ بحبِّه ... وقرأتُ فيهِ من الغرامِ دُروسا
أنا من علمتَ وِدادهُ وجهِلتَهُ ... وسيصحبنَّ لدى عُلاكَ جليسا
أغرقته بالجودِ قبل ورودِه ... ثقةً ومثلكَ لا يكون خسيسا
لا زلتَ صدرًا للصُّدورِ مقدَّمًا ... أبدًا بحفظِ إلههِ محروسا
في عزِّ داودٍ ودولة يوسفٍ ... وعلا سليمانٍ ورفقةِ عيسى
وقال يمدح الوزير الفاضل، وهو بتكريت، وكان دخوله إليها لأجل مدحه:
أخفُّ النَّوى ما سهَّلتهُ الرَّسائِلُ ... وأحلى الهوى ما كدَّرتهُ العواذلُ
ولا ملحَ في عيشٍ إذا لم يكن له ... حبيبٌ يجافي تارةً ويوصِلُ
1 / 65