مجموع فيه رسائل في حكم
إهداء ثواب قراءة القرآن للأموات
الرسالة الأولى: هدية الأحياء للأموات وما يصل إليهم من النفع والثواب على ممر الأوقات
للإمام علي بن أحمد بن يوسف الهكاري ٤٨٩ هـ
الرسالة الثانية: الكلام على وصول القراءة للميت
للإمام محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن سرور المقدسي ٦٧٦ هـ
-[الرسالة الثالثة: نفحات النسمات في وصول إهداء الثواب للأموات]-
للإمام أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي ٧٠١ هـ
الرسالة الرابعة: القول بالإحسان العميم في انتفاع الميت بالقرآن العظيم
للإمام محمد بن علي بن محمد بن عمر القطان العسقلاني ٨١٣ هـ
اعتنى بها وعلق عليها
أبو عبد الرحمن شوكت بن رفقي شحالتوغ
الدار الأثرية
الطبعة الأولى
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
Неизвестная страница
الرسالة الرابعة
كتاب نفحات النسمات في وصول إهداء الثواب للأموات
تأليف
الشيخ الإمام العالم المفتي قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية أحمد أبي العباس شهاب الدين إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي
٧٠١ هـ
1 / 281
بسم الله الرحمن الرحيم
قال مصنفها رحمه الله تعالى:
مسألة: يحق للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة كان أو صومًا أو حجًا أو صدقة أو قراءة القرآن أو غير ذلك عند أبي حنيفة وأصحابه، وأحمد بن حنبل ﵏، وينتفع به المهدي إليه.
روى الدارقطني عن علي بن أبي طالب ﵇ أن النبي ﷺ قال: «من مر على المقابر فقرأ: ﴿قل هو الله أحد﴾ إحدى عشر مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات»، وروى أبو بكر صاحب الخلال عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: «من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات»، وعن أنس بن مالك أنه قال لرسول الله فقال: يا رسول الله! إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم، فهل يصل ذلك إليهم؟ قال: «نعم إنه ليصل إليهم ويفرحون كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه»، رواه أبو حفص الطبري.
وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله ﷺ: «اقرؤوا على موتاكم سورة يس» رواه أبو داوود، وعنه ﷺ: «أنه ضحى بكبشين أملحين،
1 / 291
أحدهما عن نفسه، والآخر عن أمته» متفق عليه، أي جعل ثوابه لأمته.
وذكر عبد الحق صاحب كتاب «الأحكام» في «العاقبة» قال:
1 / 292
روي عنه أنه قال: «الميت في قبره كالغريق ينتظر دعوة تلحقه من أبيه أو أخيه أو صديق له، فإذا لحقته كان أحب إليه من الدنيا وما فيها» . وروى الحافظ اللالكائي في «شرح السنة» عن أبي هريرة ﵁ قال: «يموت الرجل ويدع ولدًا فترفع له درجة، فيقول: يا رب! ما هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك لك» .
وقال تعالى: ﴿وصل عليهم إن صلواتك سكنٌ لهم﴾ وقال: ﴿واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات﴾ وعن إبراهيم: ﴿ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين﴾ ويدعى للميت في صلاة الجنازة واجمعنا على شفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء للمذنبين في دخول الجنة بشفاعتهم، وكل ذلك ليس من عملهم، وقال تعالى: ﴿ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين﴾ دل مفهوم ذلك أن استغفارهم مفيد للمؤمنين، وقوله تعالى: ﴿والذين جاءوا من
1 / 293
بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا﴾ دل على أن هذا الدعاء ينفعهم، وفي «العاقبة» قال بشار بن غالب: رأيت رابعة العدوية العابدة في المنام وكنت كثير القراءة لها، فقالت: يا بشار هديتك تأتينا في أطباق من نور عليها مناديل من حرير، هكذا يا بشار دعاء الأحياء إذا دعوا لإخوانهم الموتى فاستجيب لهم، يقال: «هذه هدية فلان» .
وقال بعض من يوثق به! كانت لي امرأة فقرأت في بعض الليالي آيات من القرآن وأهديتها إليها ودعوت واستغفرت لها، فلما كان في اليوم الثاني جاءتني امرأة أعرفها قال: رأيت البارحة فلانة، تعني الميتة المذكورة في مجلس حسن وقد أخرجت أطباقًا من تحت سرير وهي مملوءة قوارير، فقالت: يا فلانة! هذه هدية أهداها صاحب بيتي، قال: وما كنت أعلمت أحدًا بما أهديت..» .
قال أبو قلابة: أقبلت من الشام إلى البصرة فمررت على مقابر فوضعت رأسي على القبر، فنمت، فإذا صاحب القبر في المنام قد وقف لي قال: «جزى الله أهل الدنيا خيرًا لا يزال يدخل علينا من دعائهم أمثال الجبال» .
1 / 294
وقال: «حدثني من أثق به قال: رأيت فلانة في النوم قالت: يا هذا! امض إلى بنتي فلانة الفاعلة الصانعة تسبها، وقل لها: أهذا من البر أن أقعد مع النساء فتأتيهن الطرف والهدايا من عند بناتهن وإخوانهن وأهليهن، وأتطلع أنا يمينًا وشمالًا رجاء أن يأتيني منها شيء فلا يأتيني فأبقى خجلة عند النساء، وقل لها أو لفلان يمضي إلى موقع كذا فإن فيه دنانير مدفونة يفعل بها كذا وكذا، قال: فوجدت الدنانير كما قالت» . والأخبار في هذا الباب كثيرة.
وأما قوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان ليس ما سعى﴾ فقد اختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال:
إحداها: أنها منسوخة بقوله تعالى: ﴿والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم﴾ أدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها خاصة بقوم إبراهيم وقوم موسى، فأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى لهم غيرهم، قاله عكرمة.
قال ابن وهب نظيره قوله تعالى عن قوم نوح: ﴿يغفر لكم من ذنوبكم﴾، ومن للتبعيض عند سيبويه لأنها لا تراد في الوعيد عنده.
وقال تعالى: ﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفرا الذنوب جميعًا﴾ .
1 / 295
الثالث: المراد بالإنسان هنا الكافر، أما المؤمن فله ما سعى وما سعي له، قاله الربيع بن أنس.
الرابع: ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، وأما من طريق الفضل فجائز أن يزيده الله تعالى ما شاء، قاله الحسين بن الفضل.
الخامس: أن معنى: ﴿ما سعى﴾ نوى، قاله أبو بكر الوراق.
السادس: أن ليس للكافر من الجزاء إلا ما عمله في الدنيا فيثاب عليه فيها حتى لا يبقى له في الآخرة خير، ذكره الثعلبي.
السابع: اللام بمعنى على: أي ليس على الإنسان إلا ما سعى كقوله تعالى: ﴿فكلا أخذنا بذنبه﴾ .
الثامن: ليس له إلا سعيه غير أن الأساليب مختلفة فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارة في تحصيل سببه، مثل سعيه في تحصيل ولد أو صديق يستغفر له، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة فيكتسب محبة أهل الدين، فيكون ذلك سببًا حصل بسعيه، حكى هذين القولين أبو الفرج ابن الجوزي.
ومما يدل على هذا أيضًا أن المسلمين يجتمعون أيضًا في كل عصر ويقرؤون القرآن ويهدونه لموتاهم، ولم ينكره منكر، فكان إجماعًا.
وقوله ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث»، لا يدل على انقطاع عمله على أنه ينقطع عمل غيره، لهذا أيضًا على وصول
1 / 296
الحج والصدقة إليه، وقضاء الدين عنه. قال رسول الله ﷺ: «الآن بردت عليه جلدته»، ثم إن حقيقة الثواب لا فرق في فعله بين أن يكون ثواب حج أو صدقة أو وقف أو صلاة أو استغفار أو قراءة قرآن أو قضاء دين، فمغفرة الله تعالى صالحة للكل من غير فرق لمن أنصف وتطابق الأحاديث التي ذكرناها تدل دلالة ظاهرة على ذلك، وحديث ابن عباس في «الصحيحين» أن النبي ﷺ: «مر على قبرين» الحديث.
قال الخطابي: (وهذا عند أهل العلم محمول على أن الأشياء ما دامت على أصل خلقتها وخضرتها وطراوتها تسبح الله ﷿ حتى تجف رطوبتها وتحول خضرتها أو تقطع من أصلها، فإذا خفف عن الميت بوضعه ﷺ الجريدة على قبره فبطريق ذلك أن يكون ذلك بالقرآن الذي جاء به من عند الله ﷾ .
وقوله ﷺ: «ما من مؤمن يشاك شوكة إلا رفعت له بها درجة وحطت عنه بها خطيئة» رواه مسلم، والشوكة والمرض ليس فيهما صنيع، وقد حصل له رفع الدرجة وحط الوزر.
فنسأل الله تعالى التوفيق لكل خير، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
1 / 297