فوثب إليه النهار، وصال عليه صولة ملك قهار، وصعد على منبره ثانيا، وقد أضحى التيه لعطفه ثانيا، فأثنى على من جلَّى عنه ظلمة الحجاب، وتجلى له باسم النور وتوجّه بسورة من الكتاب، وزانه بأبهى سراج وهّاج، فأوضح بسناه السبيل والمنهاج، ثم صاح: أيها الليل، هلاّ قصرت من إعجابك الذيل، ولئن دارت رحي الحرب، واستعرت نار الطعن والضرب، فلأسبين مخدراتك وهي عن لوجوه حاسرة، وأنت تتلو يومئذ تلك ذا كرة خاسرة فما دعاك إلى حلبة المفاضلة؟ وما دهاك حتى عّرضت بنفسك للمناضلة؟ وهل دأبك إلا الخداع والمكر؟! وترقب الفرصة وأنت داخل الوكر؟! أما حصن القرآن على التعوذ برب الفلق وندب، ﴿من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب﴾، فبربي يستعاذ من شرك، ويستعان على صنوف صروف غدرك، وهَبْ أنك تجمع بالحبيب، إذا جار عليه الهوى وحار الطبيب، فكم يقاسي منك في هاجرة الهجر، ويئن أنين الثكلى حتى مطلع الفجر.
يبيت كما بات السليم مْسَهَّدا ... وفي قلبه نارُ يَشُبُّ لها وقْدُ
فيساهر النجوم، ويساور الوجوم، وقد هاجت لواعج غرامه، وتحركت سواكن وجده وهيامه، فأنشد، وزفيره يتصعد:
أقِضْي نهاري بالحديث وبالمني ... ويجمعني والهمَّ بالليل جامع
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... ليَ الليلُ هزتني إليك المضاجع
1 / 127