وتناولته ألسنة أناس لم يكن لهم دربة بهذا [العلم] فحرفوا وصحفوا وزادوا ونقصوا، وتخطبوا في أسامي الرواة وغلطوا، وإني إن شرعت في اقتفاء تلك الأبواب، واستفتاحها على منهاج أهل الصنعة: حال بيني وبين ما أحاوله بعض ما أشير إليه من العلوم والأسباب.
وهذا علم قد تغيرت بهجته وتضوحت زهرته، بل حقق اختلاسه، وطوى بساطه، وقد كان معظم غمرته بالعراق وخراسان فلما اكتنفتها الفتن، وتركت سيوف الأعداء أهلها عباديد متفرقين، تلفظهم البلاد، وتتجهمهم الأمصار لم يبق من رجال هذا العلم في تلك الديار ديار، وذهب بذهابهم المسموعات، واضمحلت بخرابها المؤلفات. وحين فقدت الأنصار، وعدمت الأسباب، رأيت أن أقتصر من ذلك على ما لا يسع الطالب جهله، وأن أكتفى من البيان بما يفتح الغلق عن متون الألفاظ ومبانيها، ويستكشف بمقدار الضرورة عن مباحثها ومعانيها، متنكبا عن التعسف في مذاهب الإسهاب، والاشتباط.
وأن لا أتعرض في الأحكام لمجال النزاع ومواضع الاستدلال؛ إلا إذا دعت الحاجة إليه في بيان الحديث ونفي التناقض والإحالة عن كلام الرسول ﷺ؛ لأن أكثر الناس لاحظ لهم فيه؛ مع أنه أمر قد فرغ منه، وباب قد أتى عليه، فإن ظفرت بمعنى على طريق الفهم، ويتعلق به بيان الحديث؛ فسأشير إليه غن شاء الله تعالى.
والمرجو من الله المنان أن يمدني بحسن التوفيق وألا يكلني إلى نفسي فتنزل قدمي، ويخطئ نظري، وأن يجعل ذلك لوجهه الكريم؛ فإن ما أريد به وجهه لا يثمر خزيا، ولا يعقب ندامة، ولا يزداد على ممر الأيام إلا بهجة وطراوة.
ولقد بلغني أن أبا عبد الله بن أنس الأصبحي- رحمة الله عليه- لما صنف كتابه الموسوم بالموطأ سمع به عبد الله بن وهب المصري، فصنف كتابا وسماه بالموطأ فأخبر بذلك مالك، فقال: ما كان لله يبقى، وأشار بذلك [إلى ما أخذه على] نفسه من صدق النية وصحة العزيمة.
ونحن نسأل الله تعالى أن يحول بيننا وبين ما نحاوله أشرا ورياء واتباعا للهوى حتى يخلص فيه النية؛ فإن استمتاع كل أحد بعلمه على مبلغ عمله بالعلم، ومقدار خلوص النية فيه.
أخبرنا الإمام شهاب الملة والدين أبو الفضائل عبد الوهاب بن صالح بن محمد المعزم إمام الجامع العتيق بهمذان أنبأ الحافظ أبو جعفر محمد بن علي الهمذاني، أنبأ أبو الخير محمد بن موسى بن عمران الصفار أنبأ أبو الهيثم محمد بن علي الكشميهني محمد بن يوسف
1 / 31