فمتى ورد الخطاب وأمكن حمله على ظاهره وكان الخطاب ظاهرا فى وضع اللغة ، أكان عاما أو خاصا ، فالواجب حمله على ما يقتضيه ، ولحق بالباب الذى يستقل بنفسه ، ومتى امتنع حمله على ظاهره فالواجب النظر فيما يجب أن يحمل عليه ، والنظر هو بأن تطلب القرائن على الوجه الذى ذكرناه ، فإن كان السامع قد تمهدت له الأصول ، وعرف العقليات وما يجوز فيها وما لا يجوز ، وعلم ما يحسن التكليف فيه وما لا يحسن ، وعلم من جمل اللغة ما يعرف به أقسام المجاز ومفارقتها للحقائق ، حمله على ما أريد به فى الحال ، وإلا احتاج إلى تكلف نظر عند سماعه ذلك ، فإن تكاملت الآلات له أمكنه النظر فى الحال ، وإلا احتاج إلى التشاغل بما فى الأصول حتى تتكامل آلاته ، ويصير من أهل الاجتهاد ، فيمكنه أن يحمل الخطاب على حقه.
واعلم أن الخطاب على ضربين : أحدهما يدل على ما لو لا الخطاب لما صح أن يعلم بالعقل ، والآخر يدل على ما لولاه لأمكن أن يعرف بأدلة العقول. ثم ينقسم ذلك ، ففيه ما لو لا الخطاب لأمكن أن يعلم بأدلة العقول ، ويصح أن يعلم مع ذلك الخطاب ، فيكون كل واحد كصاحبه فى أنه يصح أن يعلم به الغرض. وفيه ما لو لا الخطاب لأمكن أن يعلم بالعقل ولا يمكن أن يعلم إلا به.
فالأول هو الأحكام الشرعية ، فإنها إنما تعلم بالخطاب وما يتصل به ، ولولاه لما صح أن يعلم بالعقل الصلوات الواجبة ولا شروطها (1) ولا أوقاتها ، وكذلك سائر العبادات الشرعية.
Страница 35