لأنه يعلم بعلوم ، ومن حقها أن تتعلق بمعلومات مخصوصة ؛ لأن كل علم فإنما يتعلق بمعلوم واحد.
فإذا علم ذلك ، وعلم بالاختبار فى الشاهد أن المستغنى عن القبيح ، العالم بقبحه لا يختاره ، وأنه إنما يختار ذلك إما لجهل بحال القبيح ، أو بحاله [ هو ] فى استغنائه عنه ، فيقدر فى القبيح أنه حسن ، أو يقدر أنه محتاج إليه ، أو لأنه يعلم أنه يحتاج إليه فى الحقيقة. فأما إذا زالت هذه الوجوه أجمع ، فإنه لا يختار القبيح ، كما لا يختار أحدنا والحال هذه التشويه بنفسه والإضرار بها.
فإذا صح بالاختبار عنده ما ذكرناه ، وعلم أنه تعالى عالم بكل قبيح ، وبأنه مستغن عنه ، لم يجز أن يختاره.
فإذا صح عند العارف بالله عز وجل أنه لا يفعل القبيح ، وعلم بالاختبار أن الخبر يقبح إذا كان كذبا ، والأمر يقبح إذا كان أمرا بقبيح ، وجب أن ينفى عن أخبار القرآن الكذب ، وعن أوامره أن تتعلق بالقبيح.
ومتى علم أن الألغاز والتعمية إنما يحسن من أحدنا أن يستعملها لحاجة إلى اجتلاب منفعة أو دفع مضرة ، ولا يحسن استعمالها متى كان الغرض البيان والإفادة فقط. وثبت أنه تعالى لا يجوز عليه المنافع والمضار ، وأنه يخاطب المكلف لمصالحه ويقصد بالخطاب البيان والتعريف. فلو جوزنا والحال هذه فى بعض خطابه التعمية لجوزنا فى سائره ، وفى ذلك إخراج القرآن أجمع من أن يكون حجة وبيانا ، فيجب إذا علمنا أنه تعالى لا يفعل القبيح ، ولا يكذب فى أخباره ، ولا يعمى أن يعلم أن القرآن حجة ؛ لأن الذى يخرجه من أن يكون حجة بعض ما قدمنا ذكره. فإذا أمناه علم بأن الخبر صدق ، وأن الأمر حق ، فيصح الاستدلال به على ما دل به عليه.
Страница 31