قيل له : لأنه إنما يدل بأن يصدر من حكيم لا يجوز أن يختار الكذب والأمر بالقبيح ، ومتى لم يكن فاعله بهذه الصفة لم يعلم وجه دلالته ، فيجب أن يعلم أولا أنه عز وجل حكيم لا يختار القبيح ، حتى يصح أن يستدل بالقرآن على ما يدل عليه ، وذلك يمنع من أن يستدل به على إثباته تعالى وإثبات حكمته.
وبعد ، فليس يخلو من خالف فى ذلك من أن يقول : أخبار القرآن تدل ، مع التوقف فى لونها من قبيل الصدق ، أو يقول : إنها لا تدل إلا وقد علم أنها صدق.
ولا شبهة فى فساد الأول ، لأن كل خبر كونه كذبا غير دال على حال مخبره ، وإذا صح ذلك فلا بد من أن يعلم [ كونه ] صدقا ، ولا يخلق العلم بذلك دون (1) أن يرجع فيه إلى نفس الخبر ، أو إلى خبر سواه ، او إلى دليل العقل.
ولا يصح أن يعلم أن الخبر صدق بنفسه ، لأنه إنما يدل على حال غيره لا على حال نفسه.
وإن علم أنه صدق بخبر آخر لم يخل من أن يكون واردا عن الله عز وجل أو عن غيره ، ولا يجوز أن يرجع إلى خبر غيره. وخبره عز وجل إذا رجع إليه ولما علم حاله فى الحكمة فكأنه استدل على أنه صادق فى سائر أخباره ، ومتى جوز فى سائر أخباره الكذب يجوز فى هذا الخبر مثله ، فلا يصح النقد به. ولذلك قلنا : إن المجبرة إذ (2) جوزت عليه عز وجل أن يفعل القبيح لا يمكنها المعرفة بصدقه عز وجل ، لا من جهة العقل ، ولا من جهة السمع!
Страница 2