فردت عليها فلو ببراءة: «يمكنك الذهاب والعمل في محل الجزارة مع أخيك.»
قالت بيكي بنوع من الازدراء المصطنع: «روبرتا؟ هل تظنين أنه من الممكن أن أعمل معه؟» كان اسم أخيها، الذي يدير محل الجزارة، روبرت، لكنه اشتهر باسم روبرتا نظرا لأسلوبه المهادن والمتململ. ضحكت بيكي تايد. كانت ضحكتها رنانة ومزعجة كمحرك مزعج.
كانت بيكي قصيرة القامة، كبيرة الرأس عالية الصوت، ذات مظهر خارجي يملؤه الغرور لا يميزها كأنثى، وترتدي قلنسوة مخملية حمراء. كان عنقها ملتويا، ما أجبرها على تثبيت رأسها في اتجاه واحد، بحيث تنظر دوما للأعلى وللجانبين. كانت ترتدي حذاء لماعا عالي الكعب، كان حذاء يليق بسيدة حقيقية. أخذت روز تحدق في حذائها فقط؛ فكانت تخشى كل ملمح آخر في تلك الفتاة؛ وخاصة ضحكتها وعنقها. علمت روز من فلو أن بيكي تايد أصيبت بشلل الأطفال وهي طفلة، وهذا ما تسبب في التواء عنقها وقصر قامتها. كان من الصعب التصديق أن تلك الفتاة كانت لها هيئة أخرى غير تلك التي عليها الآن، وأنها كانت طبيعية في يوم من الأيام. ذكرت فلو أنها ليست مخبولة، وإنما عاقلة شأنها شأن أي شخص آخر، لكن بوسعها فعل كل ما يروق لها دون أن تلقى أي عقوبة.
سألت بيكي: «تعلمين أنني كنت أعيش هنا، أليس كذلك يا فلو؟» كانت قد لاحظت آنذاك وجود روز، فنادت عليها: «يا فتاة! ما اسمك؟»
فأجابتها فلو، كما لو كانت تجهل الأمر: «إن فعلت، فقد كان ذلك قبل مجيئي إلى هنا.» «كان ذلك قبل أن يتدهور الحال بالحي على هذا النحو. أستميحك عذرا فيما أقوله. شيد والدي منزله هنا، وأقام المجزر الخاص به، وكنا نمتلك بستانا بلغت مساحته نصف فدان.»
قالت فلو بصوت مازح مليء باللطف الزائف، بل والتواضع أيضا: «حقا؟ فلم رحلتم إذن؟»
أجابتها بيكي: «لقد أخبرتك للتو، تدهور حال الحي.» كانت بيكي ستضع بسكويتة كاملة في فمها، إذا رغبت في ذلك، وتترك وجنتيها تنتفخان كالضفدع. وبتناولها البسكويت، سكتت عن الحديث، ولم تنطق بأية كلمة أخرى.
كانت فلو على علم بما تتحدث عنه بيكي، الجميع كان على علم بذلك. عرف الجميع ذلك المنزل المشيد بالطوب الأحمر، الذي يحتوي على شرفة وبستان، أو بالأحرى ما تبقى من البستان الذي صار ممتلئا بالنفايات المعتادة، مثل مقاعد السيارات وغسالات الملابس، وزنبركات الأسرة والخردة. وبالرغم مما حدث في ذلك المنزل، لم يبد مشئوما قط، وذلك بسبب كل ما أحاط به من حطام وفوضى.
ذكرت فلو أن والد بيكي كان جزارا مختلفا عن أخيها؛ فقد كان رجلا إنجليزيا حاد الطباع، ويختلف عن بيكي فيما يتعلق بكثرة الحديث؛ إذ كان صموتا. كان رب أسرة بخيلا وطاغية. بعد أن أصيبت بيكي بشلل الأطفال لم يسمح لها بالذهاب إلى المدرسة، وكانت نادرا ما ترى خارج المنزل، ولم تر قط خارج الفناء. لم يرغب والدها في أن يبدي الناس الشماتة فيها. كان هذا ما قالته بيكي في المحاكمة. كانت والدتها قد توفيت بحلول ذلك الوقت، وتزوجت شقيقتاها، ولم يتبق بالمنزل سواها هي وروبرت. كان الناس يوقفون روبرت في الطريق ويسألونه: «كيف حال أختك؟ هل هي بخير الآن؟» «نعم.» «هل تقوم بأعمال المنزل؟ هل تعد لك عشاءك؟» «نعم.» «هل يحسن أبوك معاملتها؟»
شاع عن والد بيكي وروبرت أنه يضربهما، وأنه كان يضرب جميع أبنائه، بل وزوجته أيضا. وكان يضرب بيكي أكثر بسبب عاهتها الجسدية، التي ظن البعض أنه هو من تسبب في إصابتها بها (كانوا يجهلون مرض شلل الأطفال). استمر الناس في حبك القصص عن تلك العائلة والاستفاضة فيها؛ فقيل إن السبب وراء إخفاء بيكي عن الأنظار هو حملها، وأن والدها هو والد هذا الطفل. وقيل أيضا إنها وضعت طفلها، وتم التخلص منه. «ماذا؟»
Неизвестная страница