في تلك اللحظة، ركضت مرتعدة مبتعدة في الرواق الطويل متعدد الألوان. لقد رأت باتريك، وهو أيضا رآها، وقطب جبينه في وجهها، لكنها لم تتمكن في الواقع من فهم كيف يمكن أن تكون هي عدوته، كيف يمكن لأي شخص أن يكره روز إلى هذا الحد، وهي التي كانت في هذه اللحظة مستعدة للاقتراب بنيتها الصافية، واعترافها بالإرهاق المرتسم على ابتسامتها، وإيمانها المتحفظ بالمكاشفة المتحضرة؟
لقد استطاع باتريك أن يكرهها هذا الكره، استطاع ذلك فعلا.
عبث
وقعت روز في غرام كليفورد خلال حفل أقامه كليفورد وجوسلين بحضور باتريك وروز. كانا قد مضى على زواجهما في هذا الوقت ثلاث سنوات بينما كان زواج كليفورد وجوسلين قد تجاوز ذلك بعام أو أكثر قليلا.
كان كليفورد وجوسلين يقيمان لبعض الوقت في منطقة تقع أقصى غرب فانكوفر، في واحد من تلك الأكواخ الصيفية المصطفة على الشوارع المتعرجة القصيرة الواقعة بين الطريق السريع والبحر، وقد تصادف أن كان مهيئا لقضاء الشتاء. أقيم الحفل في ليلة ممطرة من شهر مارس، وكانت روز متوترة لحضوره. كانت تشعر بالضيق بينما تمضي السيارة بهما عبر غرب فانكوفر، وراحت تشاهد مصابيح النيون وقطرات الماء تتساقط منها في البرك الصغيرة الموحلة المنتشرة على الطريق، وتنصت للصوت المقيت لماسحات الزجاج الأمامي. وبعد ذلك كانت غالبا ما تنظر للخلف لترى نفسها جالسة بجوار باتريك وهي ترتدي بلوزتها السوداء مكشوفة الصدر وتنورتها المخملية السوداء، وتمنت لو أنهما كانتا الرداء المناسب. كانت تتمنى لو كانا في طريقهما إلى السينما. لم يكن لديها أدنى فكرة أن حياتها سوف تتبدل.
كان باتريك متوترا أيضا وإن لم يكن ليعترف بذلك؛ فقد كانت الحياة الاجتماعية لغزا محيرا، وغالبا ما كانت شيئا مقيتا لكليهما. ووصلا إلى فانكوفر دون أن يكون لهما معرفة بأحد. كانا يسايران الركب فحسب. لم تكن روز تعلم ما إذا كانا حقا يتوقان لوجود الأصدقاء، أم حتى يعتقدان ببساطة أن وجودهم أمر ضروري. لقد كانا يتأنقان ويخرجان لزيارة الآخرين، أو يرتبان غرفة المعيشة في انتظار من دعوهم لزيارتهما. وفي بعض الأحيان كانا يتبعان أنماطا ثابتة للزيارة؛ فكانوا يتناولون بعض كئوس الشراب خلال تلك الأمسيات، وفي حوالي الحادية عشرة أو الحادية عشرة والنصف - وهو الوقت الذي بالكاد كان يأتي سريعا بما يكفي - تتوجه روز نحو المطبخ وتعد القهوة وبعض المأكولات. كانت المأكولات التي تعدها في العادة تقتصر على شرائح الخبز المحمص، تعلوها شريحة من الطماطم، ثم شريحة من الجبن ثم بعض من اللحم المقدد، وكانت تقوم بشيها وتمسكها معا بعود أسنان. لم يكن بوسعها التفكير في أي شيء سوى ذلك.
كان من الأسهل لهما إقامة صداقات مع الأشخاص الذين يحبهم باتريك عن أولئك الذين تحبهم روز؛ لما كان لروز من قدرة كبيرة على التأقلم، أو ربما الخداع، بينما كان باتريك بالكاد قادرا على التأقلم على الإطلاق. إلا أن الصديقين في هذه الحالة - حالة كليفورد وجوسلين - كانا أصدقاء روز، أو بالأحرى كانت جوسلين صديقة لروز. كانت جوسلين وروز تعرفان أن عليهما ألا تحاولا الترتيب لزيارات زوجية؛ فقد كان باتريك لا يحب كليفورد دون أن يعرفه لأن كليفورد كان عازف كمان، ولا شك أن كليفورد بدوره لم يكن محبا لباتريك لأنه كان يعمل في أحد فروع متجر عائلته الكبير. وفي تلك الأيام كانت الحواجز بين الناس لا تزال قوية ووثيقة، الحواجز بين مدعي الفن والعاملين في التجارة، بين النساء والرجال.
لم تكن روز على معرفة بأي من أصدقاء جوسلين، ولكنها أدركت أنهم موسيقيون وصحافيون ومحاضرون في الجامعة، بل كان من ضمنهم سيدة تعمل كاتبة كان لها رواية تم تشخيصها في الراديو. فتوقعت أن يكونوا أذكياء، وظرفاء، وساخرين بلا شك؛ فكان يبدو لها أنها طوال الوقت تجلس مع باتريك في غرف المعيشة، متبادلين الزيارات مع الآخرين، وأنهم أناس بارعون ومرحون بحق، يحق لهم النظر إليها بازدراء، يحيون حياة غير تقليدية ويقيمون حفلات غير اعتيادية في مكان آخر. والآن جاءت الفرصة للتواجد مع هؤلاء الناس، ولكن معدتها كانت مضطربة رفضا لذلك، ويديها تتصببان عرقا. •••
التقت جوسلين بروز في عنبر الولادة بمستشفى نورث فانكوفر العام. كان أول شيء رأته روز لدى عودتها إلى عنبر الولادة بعد أن وضعت آنا هو جوسلين جالسة في فراشها تقرأ كتاب يوميات أندريه جيد. كانت روز تعرف الكتاب من ألوانه، حيث كانت قد رأته على حامل الكتب والجرائد في الصيدلية؛ فقد كان جيد على قائمة الكتاب الذين تنوي قراءة أعمالهم؛ فكانت في ذلك الوقت لا تقرأ إلا لكبار الكتاب.
كان الشيء المدهش والمريح الذي لاحظته روز على الفور بشأن جوسلين هو مظهرها الذي بدا وكأنها طالبة؛ إذ إنها لم تسمح لنفسها بالتأثر كثيرا بجو جناح الولادة الذي كانت قابعة بداخله، فقد كان لجوسلين جدائل سوداء طويلة، ووجه شديد الشحوب، ونظارات سميكة، دون أدنى مسحة من الجمال، وهيئتها تنبئ بتركيزها فيما تفعله بارتياح.
Неизвестная страница