حصلت روز على وظيفة في مكتبة الكلية بدلا من الكافيتريا؛ إذ كانت الدكتورة هينشو صديقة لرئيس أمناء المكتبة. عملت روز بعد ظهيرة أيام السبت في قسم تخزين الكتب حيث تعيد الكتب لأماكنها. وكانت المكتبة تكاد تكون خالية في ذلك التوقيت بفصل الخريف، بسبب مباريات كرة القدم. أطلت النوافذ الضيقة للمكتبة على الحرم الجامعي المليء بالأشجار، وملعب كرة القدم، والمدينة الممتلئة طرقاتها بأوراق الأشجار المتساقطة، وتهادت أصوات الأغاني والصيحات إلى المكتبة.
لم تكن مباني الكلية قديمة على الإطلاق، لكنها صممت لتبدو كذلك؛ فكانت مبنية من الحجارة. وكان لمبنى كلية الآداب برج. أما المكتبة، فكانت نوافذها بابية مصممة ربما لتصويب الأسهم منها. أكثر ما أعجب روز في المكتبة هو المباني والكتب، والنشاط الذي شهدته عادة، وهو ما تلاشى في ذلك الوقت من العام، وارتكز حول ملعب كرة القدم الذي صدرت عنه تلك الضوضاء التي بدت في نظرها غير لائقة ومشتتة للذهن. كانت الهتافات والأغاني بلهاء، إذا ركز المرء في كلماتها. لماذا شيدوا تلك المباني المهيبة إذا كانوا سيغنون مثل هذه الأغاني؟
كانت روز بالحكمة التي تمنعها من التعبير عن هذه الآراء، وإذا قال لها أي شخص: «كم هو كريه أن تضطري للعمل أيام السبت، وألا تستطيعي حضور المباريات»، كانت توافقه الرأي بشدة.
في إحدى المرات، أمسك رجل ما بساقها العارية بين الجورب والتنورة. حدث ذلك في قسم الزراعة بالجزء السفلي من منطقة أرفف تخزين الكتب بالمكتبة. لم يملك أحد تصريحا لدخول هذا المكان سوى أعضاء هيئة التدريس، وطلاب الدراسات العليا، والموظفين، لكن قد يستطيع أحدهم الدخول من نافذة الطابق الأرضي، إذا كان نحيلا. كانت قد رأت رجلا انحنى وهو يتفحص الكتب في رف أدنى بعيدا عن مكانها بعض الشيء، وعندما مدت يدها لدفع أحد الكتب إلى مكانه، مر ذلك الرجل خلفها، وانحنى ليمسك بساقها، كل ذلك في حركة مباغتة سريعة وخفيفة، ثم اختفى. ظلت تشعر لفترة وجيزة بالمكان الذي غرس فيه أصابعه. لم تبد لها لمسة جنسية، وإنما كانت أشبه بالمزحة، لكنها مزحة غير ودودة على الإطلاق. سمعته روز وهو يركض هاربا، أو شعرت به؛ فقد اهتزت الأرفف المعدنية، ثم توقفت عن الاهتزاز. لم يعد له أي صوت يدل عليه، فسارت باحثة عنه بين أرفف التخزين وأركان القراءة. لكن ماذا إذا رأته، أو تعثرت به في أحد الأركان؟ ما الذي كانت تنوي فعله؟ لم تعرف. لقد شعرت فحسب بضرورة البحث عنه، كما لو كانت في لعبة صبيانية مثيرة. نظرت لربلة ساقها القوية المتوردة. ما أثار دهشتها هو ظهور شخص من حيث لا تعلم يرغب في معاقبتها وإصابتها على هذا النحو.
وجد عادة عدد قليل من طلاب الدراسات العليا في أركان القراءة، حتى بعد ظهيرة أيام السبت، لكن نادرا ما وجد فيها أساتذة في ذلك الوقت. بحثت روز في كل ركن، فوجدته فارغا حتى وصلت إلى أحد الأشخاص في أحد أركان القراءة، أطلت برأسها بحرية، إذ لم تتوقع وجود أي شخص في ذلك الوقت، لكنها اعتذرت بعد ذلك عن هذا التصرف.
كان هناك شاب يحمل كتابا على حجره، وحوله الكتب مترامية على الأرض، والأوراق تحيط به من كل جانب. سألته روز إن كان قد رأى أي شخص يركض بجواره، فأجابها بالنفي.
روت له ما حدث، لكن السبب لم يكن شعورها بالخوف أو الاشمئزاز، مثلما اعتقد هو بعد ذلك، وإنما رجع ذلك إلى ضرورة إخبارها شخصا ما بما حدث؛ فقد كان موقفا غريبا. لم تكن متأهبة على الإطلاق لرد فعل ذلك الشاب؛ إذ تحول وجهه وعنقه للون الأحمر ليتداخل مع وحمة على جانب وجنته بالكامل. كان نحيلا وأشقر. نهض عن كرسيه دون أن ينتبه للكتاب الموجود على حجره أو الأوراق المتناثرة أمامه، فسقط الكتاب بقوة على الأرض، واندفعت حزمة ضخمة من الأوراق عبر المكتب لتحرك زجاجة الحبر.
قال لها: «يا له من تصرف وضيع!»
فنبهته: «أمسك زجاجة الحبر!» فمال ليلتقط الزجاجة، لكنها سقطت منه على الأرض. لحسن الحظ، كان الغطاء فوقها، ولم تنكسر. «هل ألحق بك أي أذى؟» «كلا، لم يفعل في الواقع.» «تعالي معي إلى الأعلى. سوف نبلغ عما حدث.» «لا، لا داعي.» «لا يمكن أن يفلت بفعلته. يجب ألا يسمح بذلك.»
فقالت روز بارتياح: «ليس هناك من يمكننا إبلاغه بما حدث؛ فأمين المكتبة ينصرف في ظهيرة أيام السبت.»
Неизвестная страница