قال: لأنه أصبح قانطا، وأخاف أن يؤذيه هواء فرنسا إذا أقام فيها طويلا، فقلت له: سافر إلى أفريقيا وآسيا وتجول في الهند؛ اذهب إلى أي مكان شئته، وأنفق قدر ما تشاء بشرط أن تعود إلي معافى، بل إني مستعد أن أنفق عليه كل ثروتي.
فقال النوتير: إني سأنقدك المبلغ كله على الفور، ولكني أرجوك أن تتعشى معي دون كلفة ما زلت في كرسل.
قال: إني أقبل دعوتك بملء الشكر.
قال: وأنت يا موسيو بوفور ويا موسيو داغير أرجوكما قبول دعوتي أيضا.
فقبل بوفور الدعوة، خلافا لداغير؛ فقد اعتذر عن قبولها، فألح عليه النوتير فأبى وتركهم وانصرف دون وداع، فجعل يسير في الشوارع يشبه السكران، وهو تارة يقف وتارة يمشي وقد ظهرت على وجهه علائم التفكر في أمر خطير، فكان يقول همسا من حين إلى حين: «إنه خاطر خطير ... إنه فكر هائل.» وقد استمر على هذه الحالة ساعة أو تزيد، إلى أن مر بعطفة وكاد يصطدم برجل لو لم يسرع إلى تنبيهه.
أما هذا الرجل فكان فولون، فقال له: ما بالك يا موسيو داغير فقد كدت تصدمني؟
قال: أهذا أنت؟
قال: نعم أنا هو، فلماذا تنظر إلي هذه النظرات الغريبة؟ - لا شيء ... لا شيء. - إنك رأيتني منذ ساعة، فهل حسبت أني مت فبعثت؟ فارتعد وتركه وهو مطرق الرأس.
وكان فولون يعلم أنه خسر كل ثروته، وأن شركته تحت التصفية فحسب أن اضطرابه لهذا السبب، وجعل ينظر إليه مشفقا، ولكن داغير عاد إليه فقال له: ألا تخاف أن يتعرض لك شقي حين تعود في الليل ومعك هذا المبلغ الجسيم؟
قال: لا خوف علي فإني مدجج بالسلاح.
Неизвестная страница