وقد حاولت أمها أن تعزيها ولكنها صدتها عنها، وقالت لها: دعيني أبكي.
وفي اليوم التالي زار روبير صديق أبيه بيير بوفور وروى له ما جرى بالأمس، وما كان من رفض مرسلين، ثم قال له: إنك صديق مودست فإنها مدينة لك بالحياة كما أعلم، ألا يمكن أن تغتنم فرصة لتسألها إذا كانت تحبني؟ فإني أعتقد أنها تحبني بالرغم عما سمعت من أمها. - سأفعل، ولكني أستغرب أخلاق مدام لنجون وأرى منها تجانبا ظاهرا، فلماذا لا تباحث جيرار في هذا الشأن؟ - لقد خطر لي ذلك وسأفعل.
وحسنا تفعل؛ فإن جيرار لا يكتمك الحقيقة.
وقد فعل، وبعد بضعة أيام خلا جيرار بأخته، وقال لها: أريد أن أباحثك في أمر يا مودست. - ما هو؟ - هو أني عارف بسبب حزنك. - لست بحزينة كما تتوهم. - لقد لقيت روبير وأخبرني.
فاغرورقت عيناها بالدموع وقالت: ماذا أخبرك؟ - أخبرني أنه يحبك أصدق حب وأنك جعلته يقنط من الحياة، فقولي لي؛ أحق أنك لا تحبينه؟ - الحقيقة أني أحبه. - لماذا قلت له ما يوهم بالعكس؟ - لأن هذه هي إرادة أمك. - إن أمك لا تريد لك اليأس.
وعند ذلك دخلت مرسلين فقال لها جيرار: إن أختي تحب ابن فولون، وأنا واثق بأنه يحبها، وهو خير كفء لها فلماذا تعارضين في سبيل زواجها؟ - قد يوجد أسباب يا بني. - لماذا تكتمين عنا هذه الأسباب؟ - لا تسألني. - بل أسألك وأريد أن تجيبي. - متى كان يوجد هنا إرادة غير إرادتي، أهكذا تحترم أمك يا جيرار؟ - أسألك العفو يا أمي، فإني أحترمك وأحبك، ولكن انظري ما صارت إليه مودست. - لا أستطيع أن أفيدها في شيء. - إذن أنت تصرين على الرفض؟
فأحنت رأسها مرتين إشارة إلى الإيجاب، وانقطع الحديث، فانصرف جيرار وهو معجب بهذا السر لوثوقه أنه لا بد من وجود سر غريب تكتمه أمه حتى عن أولادها الراشدين وهذا أغرب.
ولنعد إلى بوفور فإنه ذكر ما وعد به روبير، وخرج من المنزل ليقابل مودست وأمها، ولكنه لم يصل إلى الحديقة حتى شعر بدوار شديد فجلس على كرسي فيها ونادى الخادم، فأعانه على الرجوع إلى المنزل، وأرسله ليدعي الدكتور جيرار، وهو يقول في نفسه: هذا بدء النهاية فقد قدر لي أن أموت دون أن أقف على سر احتجاب مرسلين.
وجاء جيرار فكان أسفه شديدا إذ رآه على أسوأ حال فوصف له علاجا مقويا، وأقام عنده ساعة ثم عاد إلى منزله وظواهر الكآبة بادية بين عينيه، فسألته أمه عن بوفور، فقال لها: لم يبق رجاء.
فدقت يدا بيد وقالت: لا سبيل لإنقاذه؟ - لا ينجو إلا بأعجوبة؛ فإن ذلك فوق قدرة الطب، ولكني أراك تهتمين به كثيرا فما هذا الاهتمام؟ - أما هو صديقك يا جيرار؟ - لقد قلت لك من قبل إنه إذا عاش بيننا نجا وتكونين قد وفيت ما عليك من الدين.
Неизвестная страница