قالت: أشكرك يا سيدي، ولكني مسافرة. - لماذا؟ فإني سأجد لك عملا. - كلا، فلا بد لي من السفر.
وقد نظر كل إلى صاحبه نظرة، فكانت نظرة فولون نظرة استعطاف كأنه يلتمس منها أن تبقى وأن شقاءه ببعدها، ونظرة مرسلين نظرة رحمة وإشفاق؛ كأنها تقول له: لقد علمت أنك تحبني، ولكن واجباتي كامرأة شريفة بالابتعاد، فيعود الهناء إلى قلبك وبيتك.
فتنهد تنهدا عميقا وقال: لقد خلقت المرأة عنيدة، وما زلت متشبثة بأفكارك، فاسمحي لي أن أسديك نصيحة، وهي أنه إذا جار عليك الزمن فعودي إلينا تجدي خير ملجأ، وإذا لم تجدي لك عملا فاذهبي من قبلي إلى الموسيو مونتمايور المهندس في معامل سانت المعدنية؛ فهو يدخلك من فوره إلى أحد هذه المعامل.
قال هذا وتركها مسرعا؛ لأن الدمع جال في عينيه.
وفي تلك الليلة باتت مرسلين في أحد فنادق باريس الصغرى، وكانت النقود التي احتفظت بها من ثمن عملها تكفيها للانتظار حتى تلد، وقد عزمت على أن تأتي بولدها جيرار بعد الولادة.
وبعد شهرين وضعت طفلة دعتها مودست، وجاءت بولدها فجعلت تعتني بالطفلين مدة عام إلى أن فرغت جيوبها، ورأت أنه لم يبق بد من العمل، فذكرت وصية فولون وذهبت إلى ذلك المهندس؛ فكان انذهالها عظيما إذ رأت أن فولون أصبح مديرا لهذا المعمل.
وقد اضطربت حين رأته وقالت: لم أكن عالمة، ولولا ذلك ...
فأجابها بلهجة الحزين الكئيب فقال: تريدين أنك لو علمت أني مدير هذا المعمل لما أتيت إليه؟ فلم تهربين مني؟! فهل قلت لك كلمة أو نظرت إليك نظرة تنكرينها؟
قالت: كلا، فأنت أشرف من عرفت من الرجال. - إذن، ألا تكونين ظالمة فيما تفعلين؟ - لقد ندمت لما بدر مني، والحق أني لو علمت أنك مدير هذا المعمل للجأت إليك؛ لأني مضطرة الآن إلى العمل لإعانة ولدين. - ولدين؟!
نعم؛ فقد كان الأول عند المرضع يوم كنت عندكم، وعمر الثاني لا يتجاوز العام، فتصور ما يكون من هذين الطفلين لو قضي علي بالموت. - أليس لك مورد من غير العمل؟ - كلا. - ولكن أين والد الطفلين؟ أهو فقير إلى حد أنه لا يستطيع إعالة طفلين، أو أنه فقد الشعور البشري فتخلى عنك وعن ولديه؟ - لا تهنه فهو من الأموات.
Неизвестная страница