ففي ليلة دخلت إلى أبيها وقد انتصف الليل فعجب لقدومها في مثل هذه الساعة، وقال لها: لماذا لا تنامين يا ابنتي؟
قالت: أية فائدة من النوم؟ فإني لم أنم من عهد طويل. - إذن أنت لا تزالين تحبينه بالرغم عما ظهر لك منه؛ فقد كنت أتوهم أن هذا الحب استحال إلى احتقار. - بل إلى احتقار وكره. - لماذا تنحلين هذا النحول؟
فغطت وجهها بيديها، وقالت له بصوت خافت خنقته الدموع: يجب يا أبي أن يكون جان زوجي.
وقد وقع قولها على قلب الشيخ وقع الصاعقة، فوقف ونظر إليها نظرة تشبه نظرات المجانين، وقال: ماذا قلت؟ إني لا أفهم ما تقولين. - اقتلني يا أبي فقد حاولت أن أنتحر فلم أستطع.
فسقط المنكود على كرسيه خائر القوى، وسكت سكوتا رهيبا رعبت منه مرسلين أكثر مما كانت تتوقع أن ترعب من غضبه، فجعلت تشهق بالبكاء.
أما أبوها فإنه سألها بعد هنيهة قائلا: إذن لقد كنت خليلته؟ وأخاف ألا يكون هذا كل شيء!
فاعترفت له بكل أمرها، وأنها باتت على وشك الافتضاح. •••
كان الكونت يريد امتحان جان حين أخبره أن البورصة ذهبت بثروته كما تقدم.
وكأنما هذه الأكذوبة كانت شؤما عليه؛ فإنه حين اعترفت له ابنته بنكبتها وردت إليه أنباء من باريس تفيد أن الخسارة حدثت حقيقة، بحيث لم يبق له من حطام الدنيا غير القصر الذي يقيم فيه.
وفي اليوم التالي لقي جان فقال له: لقد قلت لك بالأمس إني فقدت ثروتي وكنت كاذبا؛ لأني أردت امتحانك، أما الآن فأخبرك أني أصبحت حقيقة من الفقراء؛ ولذلك لا أسألك الزواج ببنتي صيانة لمصلحتك المالية، بل لصيانة شرفها وشرفك؛ فإنك صيرتها أما.
Неизвестная страница