فصاحت البسوس وأذلاه بِسَبَب نزيلها فانتصر جساس لخالته وَقصد كليبا وَهُوَ مُنْفَرد فِي حماه فَقتله بِالرُّمْحِ فَقَامَ أَخُوهُ " مهلهل " بن ربيعَة وَجمع تغلب وَجرى بَين تغلب وَبني بكر وقائع أَولهَا يَوْم عنيزة كَانُوا فِي الْقِتَال على السوَاء ثمَّ اقْتَتَلُوا على مَاء اسْمه " النهى " وَكَانَ رَئِيس تغلب مهلهلا وَرَئِيس بني شَيبَان بن بكر الْحَارِث بن مرّة أَخا جساس فانتصرت تغلب ثمَّ اقْتَتَلُوا " بالذنائب " وَهِي أعظم وقعاتهم فانتصر مهلهل وَبَنُو تغلب وَقتل من بكر مقتلة عَظِيمَة وَمن بني شَيبَان جمَاعَة مِنْهُم شُرَحْبِيل بن همام بن مرّة وَهُوَ ابْن أخي جساس وشرحبيل جد معن بن زَائِدَة وَقتل أَخُو جساس الْحَارِث بن مرّة وَكَذَلِكَ قتل جمَاعَة من رُؤَسَاء بكر.
ثمَّ الْتَقَوْا يَوْم " واردات " فظفرت تغلب أَيْضا وَكثر الْقَتْل فِي بكر وَقتل همام أَخُو جساس لِأَبَوَيْهِ وَجعلت تغلب تطلب جساسا فألحقه أَبوهُ بأخواله بِالشَّام سرا مَعَ نفر قَلِيل وَبلغ مهلهلا الْخَبَر فَأرْسل إِلَيْهِ ثَلَاثِينَ فَارِسًا فأدركوه فَاقْتَتلُوا فَلم يسلم من أَصْحَاب مهلهل غير رجلَيْنِ وَلَا من أَصْحَاب جساس غير رجلَيْنِ وجرح جساس جرحا مَاتَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ قتل مهلهل أَيْضا بجير بن الْحَارِث الْبكْرِيّ وَلما قَتله مهلهل قَالَ بؤ بشسع نعل كُلَيْب فَقَالَ الْحَارِث أَبُو بجير أبياته الْمَشْهُورَة وَمِنْهَا:
(قربا مربط النعمامة فين ... شَاب رَأْسِي وأنكرتني رجالي)
(لم أكن من جناتها علم الله ... وَإِنِّي بحرها الْيَوْم صالي)
النعامة فرسه ودامت الْحَرْب بَين بني وَائِل الْمَذْكُورين أَرْبَعِينَ سنة وَلما قتل جساس أرسل أَبوهُ مرّة يَقُول لمهلهل قد أدْركْت ثأرك وَقتلت جساسا فَاكْفُفْ عَن الْحَرْب ودع اللجاج والإسراف فَلم يرجع مهلهل عَن الْقِتَال وَلما طَالَتْ الْحَرْب وَأدْركت تغلب مَا أَرَادَتْهُ من بكر أجابوهم إِلَى الْكَفّ عَن الْقِتَال وَعدم مهلهل.
من مُلُوك الْعَرَب " زُهَيْر " بن جذيمة بن رَوَاحَة بن ربيعَة بن مَازِن بن الْحَارِث بن فظيعة بن عبس وَالِد الْملك قيس بن الْعَبْسِي كَانَ لزهير أتاوة على هوَازن يَأْخُذهَا كل سنة بسوق عكاظ أَيَّام الْمَوْسِم بالحجاز فحقدوا عَلَيْهِ لذَلِك واحترب زُهَيْر وعامر فاتفقت هوَازن مَعَ خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب وَبني عَامر على حَرْب زُهَيْر واقتتلوا فاعتنق زُهَيْر وخَالِد فَقتل زُهَيْر بِالْقربِ من أَرض هوزان فَحَمله بنوه مَيتا إِلَى بِلَادهمْ وَفِي ذَلِك يَقُول ورقة بن زُهَيْر لخَالِد أبياتا مِنْهَا:
(فطر خَالِدا إِن كنت تَسْتَطِيع طيرة ... وَلَا تبقين إِلَّا وقلبك حاذر)
(أتتك المنايا إِن بقيت بضربة ... تفارق مِنْهَا الْعَيْش وَالْمَوْت حَاضر)
فخاف خَالِد من قتل زُهَيْر وَسَار إِلَى النُّعْمَان بن امرىء الْقَيْس اللَّخْمِيّ ملك الْحيرَة واستجار بِهِ وَكَانَ زُهَيْر سيد غطفان فَانْتدبَ مِنْهُم " الْحَارِث " بن ظَالِم المري وَقدم إِلَى
1 / 65