Мустафа Нахас

Аббас Хафиз d. 1378 AH
56

Мустафа Нахас

مصطفى النحاس

Жанры

وكان قد تأثر يومئذ بقراءة «تولستوي» وفلسفته في الاشتراكية المسيحية، وقد رأينا كيف راح تولستوي في سنة 1910 - أي قبيل موته - يكتب إلى غاندي خطابا مستفيضا وقد سمع بحركته وجهوده ومناداته بمذهب «المقاومة السلبية»، فهو يمدح غاندي فيه، ويثني خيرا عليه ويقول إن ذلك المذهب هو في الواقع «شريعة الحب»، بل الإلهام الذي يبعث على وجوب ارتباط البشر بالروح، وهو المسيحية الوطنية التي دان بها الزعماء الروحيون في العالم جميعا.

غاندي، عند مروره بمصر.

ومن ذلك العهد بدأ غاندي جهاده النفسي الذي صحبه وعكف عليه عكوف المؤمن العميق الإيمان من سنة 1907 إلى سنة 1914، غير جازع ولا آبه بما لقيه من سجن وإيلام وتشريد وتعذيب، ويومئذ عاد إلى الهند تستبقه الشهرة بأنه الزعيم الهندي الجديد.

وإذا كان القرن التاسع عشر قرن الوطنية المهاجمة، والنزوع الاستعماري الموحش الرهيب، فقد جاء القرن العشرون ليكون بداية ظهور الوطنية الدفاعية في الشرق، وانبثق نور الزعامة في أكثر نواحيه.

وكان أروع مظهر لتلك البداية ظهور غاندي في الهند قبيل الحرب العظمى، وكان قد سبقه جوكهيل مؤسس الحركة الوطنية الهندية، بل ذلك الأستاذ الشيخ الجليل الذي نسيته «الهند الفتاة»، ولم تعرف حقه الأجيال المحدثة، وإن كان غاندي قد عرف له سابقته في الجهاد، وأخذ عنه في صباه وحداثته، وعتب على بني قومه نسيانهم لذكراه، وجحودهم لفضله الذي يستحق التقدير.

ولم يكن غاندي يومئذ يكره الإنكليز، بل لقد شخص في مبتدأ الحرب العظمى إلى عاصمة بلادهم لتنظيم فرقة من بني وطنه لأعمال الإسعاف، وكان يعتقد عن صدق نية أنه فرد من أفراد الإمبراطورية البريطانية، وأن من واجبه الاشتراك في الدفاع عن مصيرها، وقد وصف فيما بعد شعوره ومبلغ خدمته للإنكليز، فقال في رسالة له سنة 1920 مخاطبا معاشر البريطانيين إنه لم يخدم «إنكليزي» الدولة بأصدق مما خدمها هو، مخلصا لها الخدمة، ممحضا إياها الولاء، حتى لقد جازف بحياته أربع مرات في سبيلها، وقد ظل يعتقد وجوب التعاون معها حتى تكشفت هي على حقيقتها؛ فلم يلبث أن زال من نفسه ذلك الاعتقاد، وتلاشى ذلك الإيمان.

ولم يكن غاندي هو وحده المخدوع يومئذ من هذه الناحية، بل لقد كانت الهند كلها قد انخدعت في سنة 1914 بتلك الكلمات السامية التي كان الحلفاء ينادون بها في جوانب العالم وأنحائه، وهي أنهم يحاربون من أجل الحق والعدل، ويريدون إنقاذ السلام في العالم وتنجية الحضارة والمبادئ الإنسانية العالية.

وكانت الحكومة الإنكليزية - وهي تسأل الهند معونتها - قد راحت تمنيها أجمل الأماني، وتعدها أكبر الوعود، وترسم لها الغد المنتظر بعد النصر في أزهى الألوان، وأجمل الزهر والورود والرياحين.

فما كان من الهند إلا أن بادرت إلى النداء، وأجابت السؤل غير مترددة ولا وانية، فساهمت بنحو مليون مقاتل، وبذلت أسخى بذل، ورضيت بأكبر التضحيات، وانتظرت صبورا مترقبة متلهفة على تحقيق تلك الوعود.

ولكن اليقظة كانت خطيرة، والحقيقة التي مثلت للهندسة 1918 مخيفة صاعقة قاسية؛ فقد تنكرت بريطانيا لها بعد النصر، وراحت تنظر إليها النظر الشزر، وتناست وعودها الماضية، وحنثت في عهودها الكثيرة، وتأهبت لملاقاة الموقف بأشد العنف وأقسى العدوان.

Неизвестная страница