كيف تسير أوضاع عيادة المريض؟ هل ضمن من يزورنه من أقاربه؟ ... وغيرها من الأسئلة بشكل غير مباشر وغير لافت. كانت الحقائق التي تحدثت بها الممرضة تثير الدهشة. [أنا أعتقد أن ذلك المريض سعيد.]
قالت الممرضة ذلك بنبرة كأنها تحلم وهي تشبك أصابعها. [عندما أرى شيئا كهذا أشعر بنوع من الغيرة.] [الغيرة؟ من أي شيء؟!] [خطيبته تلك الجميلة. الآنسة ريكو التي جاءت خصيصا من طوكيو من أجله؛ من المؤكد أن ثمة ظروف جعلتهما يعيشان مفترقين بعضهما عن بعض، يا لتعاستهما بسبب ذلك! لقد مرت عشرة أيام منذ أن جاءت إلى هنا، فلم تبتعد عنه بل تقيم معه لتمرضه. لقد رأيت العديد من المرضى؛ حتى الزوجات لا يستطعن بسهولة تمريض أزواجهن بتلك الطريقة من التفاني والإيثار. في الليل تغفو قليلا فقط على الكرسي الطويل بجواره، تقوم حقا بتمريض متفان لدرجة أن عيني تدمعان لرؤيتها. لقد أصبحت تدريجيا مقربة منها وأنصحها بالقول مثلا إن ضغطك على نفسك هكذا سيمرضك، ولكنها تبدو في منتهى الجمال عندما تبتسم في وحشة وهي تقول لي شكرا. لم يسبق لي أن رأيت امرأة بمثل هذا الجمال كأنها مريم العذراء. ولكن لقد نحفت الآنسة ريكو المسكينة جدا بعد مرور عشرة أيام منذ أن أتت إلى هنا. فتمريضها ليس له فائدة؛ لأنه مريض لا أمل له في الشفاء، بل وهو أكثر إنسان تحبه في هذا العالم. إنني حقا أتعاطف معها. لقد أصبحنا كلنا من محبي الآنسة ريكو، ونشجعها كلما نلقاها بالقول كوني قوية ، كوني قوية . مع أنه مريض لن يشفى مهما شجعناها. يا ليت المعجزة تحدث فعلا!
إن دموعي تنهمر بمجرد رؤية منظرها من الخلف، عندما تخرج صدفة إلى الممر مثلا عند النافذة وتفكر في أمر ما بعمق. وأنا في مثل هذا الوقت، حدث مرة أن تعمدت أن أفاجئها من الخلف، وأقول كلمة تخويف مثل أوه! فضحكت حقا وهي تلتفت للخلف، ولكن كانت عيناها ممتلئتين بالدموع.
قلت لها: اسمعي؛ تبدو كلمة قاسية ولكن الحي أبقى من الميت. يجب أن تهتمي بنفسك أكثر من ذلك.
أجابت الآنسة ريكو قائلة: «أجل، شكرا لك.» ومنذ ذلك الوقت باتت علاقتنا جيدة.
إن تمريضها مفرط في الحماس، حتى عندما يأتي أهل المريض لزيارته، تبدو كأنها تبعدهم عنه؛ لأن والدي المريض يبدوان باردي المشاعر نوعا ما، كانا لا يقتربان من المريض كثيرا بسبب ما تفعله الآنسة ريكو، مما يجعلنا نحن في غاية الغضب.]
أرجو منك يا دكتور شيومي أن تخمن دهشتي عندما سمعت هذا الكلام. لم أعد أفهم شيئا مطلقا. ولكن على كل حال ما دمت قد أتيت إلى هنا، فلن أفهم شيئا إلا بعد أن أتأكد بنفسي من الواقع، فقررت أن أطلب من الممرضة، أن تجعلني ألقي نظرة على غرفة المريض؛ وإن كنت غريبا عن العائلة. كان باب غرفة المريض - والذي وضع عليه لافتة «ممنوع الزيارة» - مفتوحا فتحة ضيقة، واستطعت من خلالها التلصص على ما داخل الغرفة.
كانت الغرفة معتمة بسبب غلق ستائر النافذة، وفي وسطها ينظر وجه المريض اليرقان من فوق وسادته نحو السقف بعينين مفتوحتين. كان وجها غريبا ونحيفا وجادا، وجافا جفافا مرعبا، كان يبتعد ابتعادا كبيرا عن الصورة التي رسمتها له مما سمعته من ريكو عن قريبها الذي يعشق اللعب دائما. وكانت ريكو في شدة الإرهاق. تجلس على الكرسي الصغير المجاور للسرير، ولم أستطع أن أرى وجهها؛ لأنها كانت تبدو في غفوة وتغطي وجهها بغطاء، ولكنها كانت هي ريكو التي أعرفها جيدا بشعرها وكتفها.
كنت أقاوم باستماتة رغبتي في أن أندفع إلى هناك وأهز كتفها لأوقظها. لا شك أنها كانت تعيش في كابوس بالتأكيد. لا شك أن تمريضها المتحمس ذلك نوع من أنواع الحركة أثناء النوم. بسبب عدم تصديقي للوضع أصبحت أتوهم أن ما أراه أنا الآن حلم.
إضاءة رمادية تسقطها ستائر نافذة متواضعة من قماش التيلة ... وجه مريض ببشرة مصفرة بلون الطين، وعيناه المفتوحتان ... شعر امرأة متموج، ووجهها مغطى بغطاء النوم الأبيض ... بدا لي ذلك المشهد الذي لا يتغير كأنه قد تحجر في صورة صعبة الانتهاك؛ مثل أيقونة مقدسة. لم يكن أمامي إلا أن أتراجع برهبة من أمام فتحة الباب الضيقة.
Неизвестная страница