Проблема гуманитарных наук: их систематизация и возможность решения
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Жанры
الفصل الخامس
التساوق المنهجي للخاصة المنطقية
والآن تتلاقى خطوط البحث عند عامل مشترك أو نقطة ارتكاز، ألا وهي الاستنباط
Deduction ، فهدفنا بالنسبة للعلوم الإنسانية مرحلة تفسيرية أكثر تقنينا وكفاءة، وقد أشرنا إلى أن التفسير في العلوم الطبيعية والإنسانية على السواء - كما أكد كارل همبل وأوبنهايم وطبعا بوبر وسواهم من كبار فلاسفة العلم - إنما يتسم بسمة استنباطية أكيدة، إما استنباطا رياضيا يسود العلوم الطبيعية، وإما استنباطا منطقيا فقط يسود العلوم الحيوية والإنسانية. المهم أن الاستنباط هو الشكل الأساسي للتفسير العلمي، فهو يتكون من شقين: تقريرات جزئية بشأن الظاهرة المراد تفسيرها هي شروطها، ثم العبارات الكلية المطروحة، وهي القوانين العامة، على هذا يتضمن التفسير فئتين فرعيتين مفسرتين، ومنهما معا نستنبط الظاهرة المفسرة، وبغير إمكانية هذا الاستنباط لا يعد التفسير صالحا، ولا بد أن تحتوي المقدمات المفسرة على قوانين عامة هي ضرورية للاستنباط، ولا بد أن تكون متسقة مع ذاتها، وتتبع مبدأ البساطة عن طريق قانون «الاقتصاد في التفكير»، فتكون في أقل عدد ممكن من المتغيرات، على أن أهم ما في الأمر، وما يميز التفسير الفعلي في العلوم الإخبارية، هو أن يكون للقوانين العامة في المقدمات التفسيرية محتوى تجريبي، أي تكون قابلة للاختبار عن طريق الملاحظة والتجربة.
1
هكذا نعود إلى القابلية للاختبار والتكذيب التجريبي، وقد رأيناها هي الأخرى تتسم بسمة استنباطية، إنها معدل للكشف عن علمية الفروض أو النظريات أو القوانين، فلن تثير العبارات الجزئية مشاكل حقيقية بشأن خاصيتها، لكن الطبيعة الكلية للفروض العلمية تعني استحالة مواجهتها بالواقع التجريبي؛ لأنها عامة تتحدث عن أفق لا نهائي، يستحيل حصره في زمان ومكان معينين يمكن إخضاع ما يضمانه لنطاق اختبار تجريبي، وكما أوضحنا الكشف عن كونها قابلة للتكذيب، أو غير قابلة له، يتم عن طريق استنباط عبارات جزئية من الفرض، يسهل مواجهتها بالواقع، وقد رأينا أن كل المعالم الأساسية لمنطق التكذيب في تناول للنظرية العلمية كالحكم بالتكذيب أو التعزيز، ودرجته، ومقاييس المحتوى التجريبي، والمحتوى المنطقي، المطلق والنسبي، ومحتوى الصدق، محتوى الكذب ... إلخ، كلها تعتمد على استنباط، لقد تكرر مصطلح «الاستنباط» في الفصل السابق من الكتاب أكثر من أي مصطلح منطقي آخر.
هذه السمة الاستنباطية للقابلية للاختبار والتكذيب توضح هي الأخرى مدى استيعاب تطورات العلم التجريبي والإبستمولوجيا العلمية المعاصرة، من حيث إنه لا استقراء البتة، فنحن لا نبدأ من معطيات تجريبية، ثم نصعد منها، وفور تعميمها إلى الفروض والنظريات - كما يتصور العلماء الكلاسيكيون - بل العكس تماما هو الصحيح، نحن نبدأ من الفروض، ومنها نهبط إلى التجريب ووقائع الملاحظة المستنبطة منها، لتكون محك الحكم على تلك الفروض، بل وبصفة مباشرة كان رفض الاستقراء نقطة انطلق منها بوبر صوب القابلية للتكذيب كخاصة منطقية تحدد معيارا للعلم، إن فلسفة بوبر تدور حول محور تصر عليه إصرارا هو أن الاستقراء خرافة، والبدء بالملاحظة لا يفضي إلى شيء، ومستحيل منطقيا، ولا توجد أي قضية علمية - ولا حتى لا علمية - يمكن أن تكون محض تعميم لوقائع مستقرأة، وكان يظن في العهد النيوتيني الكلاسيكي أن البدء بالملاحظة معيار ما هو علمي، فالقضية إن كانت محض تعميم لوقائع مستقرأة من العالم التجريبي، فلا بد أن تكون إخبارا عنه، ومن هنا قال بوبر: «إيجاد معيار مقبول للتمييز يجب أن يكون المهمة الحاسمة لكل إبستمولوجي لا يقبل المنطق الاستقرائي.»
2
فكان أن تكفل بهذه المهمة، وتوصل إلى القابلية للاختبار والتكذيب التي هي خاصة منطقية للنظرية العلمية، رأينا كيف تستشرف استمرارية التقدم العلمي، من حيث تتمثل تطورات العلم والإبستمولوجيا المعاصرة.
ذلك أن الافتراق الفاصل بين الإبستمولوجيا العلمية الكلاسيكية والإبستمولوجيا العلمية المعاصرة كما يتبلور في منطق العلم، يتبلور أيضا في منهجه التجريبي:
Неизвестная страница