Проблема гуманитарных наук: их систематизация и возможность решения
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Жанры
6
وحين نتقدم قليلا في مسيرة الحضارة الإنسانية سوف نلقى - بصفة أكثر تحديدا - الميراث العلمي الواضح المعالم للحضارات الشرقية القديمة، وعلى رأسها الحضارة الفرعونية، أعظم الحضارات طرا وفجرها الناصع. ثم هل كان يمكن تشييد «نسق العلم الحديث» بغير الأصول النظرية العميقة التي أرساها فلاسفة الإغريق، والفروض المثمرة التي طرحها بعضهم، خصوصا قبل السقراطيين منهم، وعلى رأسها فرض الذرة. وبصفة أكثر عينية لم تكن إنجازات جاليليو (1564-1642) - وهو في طليعة الآباء العظام للعلم الحديث - ممكنة دون إنجازات أرشميدس، هو الذي علمه التآزر الخصيب الولود بين لغة الرياضيات ووقائع التجريب. ومعلوم جيدا دور العلماء العرب في العصور الوسطى في مواصلة مسيرة البحث التجريبي، وعلى رأسهم وعلى رأس العلماء الطبيعيين القدامى طرا، ابن حيان، وابن الهيثم، والبيروني، والرازي.
ولئن كان العلم الطبيعي في هذا المسار الطويل قد أنجز بضع محصلات، ربما تتخذ مواقعها حتى الآن في نسق العلم الحديث، ولو كأصول تمهيدية فإنها كانت نتائج ضئيلة نسبيا والأهم متناثرة؛ لأن البحث العلمي نفسه كان نشاطا متناثرا، مشتتا مبعثرا، ملحقا بالاحتياجات العملية المباشرة في العهود السحيقة، ثم بالكهنوت في الحضارات القديمة، ثم بالفلسفة والإطار الثقافي في الحضارة الإغريقية، وفي الحضارة الوسيطة التي كان إطارها إطارا دينيا. فلم يكن العلم الطبيعي القديم كيانا مستقلا بذاته، حتى انبثق العلم الحديث في صورة نسقية؛ أي مهيأة للاستقلال، بحيث تحمل في صلب ذاتها حيثياتها وإمكانات تناميها، وفاعلية عوامل تقدمها ذي المعالم الواضحة.
والنسقية تعني إحكام المشروع العلمي فيرتكز في شتى ممارساته على أصوليات منهجية صارمة، ترتد في صورة خصائص منطقية دقيقة تحدد للمشروع العلمي تخوما واضحة، ما يكفل تآزر الجهود العلمية، فيجعلها تمثل متصلا صاعدا، يواصل تقدمه باستمرار، ويلقي في جوانحنا الثقة المدعمة بأن غده أفضل من يومه، تماما كما أن يومه أفضل من أمسه، الذي كان أفضل من أمسه الأول. فتمثل كل ممارسة من ممارسات العلم الطبيعي إضافة لرصيده، أو بالأحرى لرصيد الإنسانية، لكن إضافة رأسية.
أجل، يمثل العلم الطبيعي متصلا صاعدا، دونا عن شتى مناحي الإبداع الإنساني كالفن والأدب والفكر والفلسفة والأنظمة ... إلخ، التي تنمو في صورة تراكم كمي واتساع أفقي، لا يلغي القديم فيه الجديد، ولا يتجاوزه، ولا يفوقه، بل يقف بجواره. وأن تمثل الإنجازات المتوالية متصلا صاعدا، يقترب دوما من الصواب، متجاوزا مثالب الوضع السابق - أو مواطن كذبه - وباحثا عن مثالب أخرى في وضعه الجديد ليقترب من الأصوب. فذلك هو التعبير المنطقي عما يعرف بمقولة تقديم العلوم الطبيعية. وسوف نرى أن الخاصة المنطقية المميزة للعلوم الطبيعية، والتي تعطي أشمل معالجة لمنطق النظرية العلمية التجريبية، هي في حد ذاتها بلورة لعامل التقدم المتوشج في نسيج العلم الطبيعي. •••
وقد بذلت عدة محاولات فلسفية للوقوف على طبيعة هذا التقدم العلمي المستمر. وبنظرة شاملة يعطينا بوليكاروف أربعة آراء تجمل تصورات تقدم العلوم الطبيعية أو نموها
7
وهي: (أ)
تبعا لتتالي الأحداث الذي لا يحكمه أي اطراد عام، فإنه لا يمكن تفسير تقدم العلوم الطبيعية، يمكن فقط وصفه، وهذا هو تصور الوضعيين المناطقة على الخصوص. (ب)
تقدم العلم يتم كسلسلة من التحولات أو الثورات التي ربما تحدث بغير رابطة داخلية
Неизвестная страница