Прохождение по Земле Блаженства и вести из мира вечности
مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء
Жанры
أما عن عربات الكهرباء فحدث ولا تخف، تسير بدرجة وسطى من السرعة، من غير ضجيج ولا غوغاء، نظيفة جميلة مرتبة، وبالإجمال إن القوم بفرح دائم، وسرور متواصل، ولم يقع نظري مع كل ما رأيته من الخلائق على رجل أعور، أو أقرع، أو أكتع، أو مشوه الوجه، أو «وسخ»، أو أعرج، أو أصفر اللون، أو سقيم، فالجمال ظاهر في كل شيء، والهنا شامل الجميع في هذه الدنيا التي سميت بحق «أرض الهناء».
وفيما أنا سائر انتهيت إلى حديقة جميلة من حدائق هذه المدينة، فدخلت إليها فرأيتها متجملة بالأزهار والرياحين المتنوعة الأشكال، وشلالات المياه تصب في أحواض واسعة نظيفة، سابحة فيها الطيور المتنوعة كالسفن الماخرات، تتيه عجبا بجمالها، وفيها كثير من الملاهي وأدوات الرياضة، وفيما أنا أسرح الطرف بهذا الجمال الفائق الوصف، حانت مني التفاتة إلى رجل مسن جالس على مقعد من مقاعد الحديقة، ذي نظر حاد، وقد وخط الشيب رأسه، مهاب الطلعة، فتفرست به لأتمتع بجمال الإنسان الكامل، فنظر إلي الشيخ وكأن في نظره قوة مغناطيسية جذبتني إليه، وتقدمت منه ففاتحني بالحديث وقال: ألست أنت من الآتين من أرض آدم؟ قلت له: نعم، وقد وصلت اليوم مع ملاكين، وسنستريح من تعب السفر يوما واحدا، وحبذا لو كانت الفرصة أكثر من ذلك، لأشترك في هذا الهناء الذي أنتم تتمتعون به، ويا ليتني كنت من سكان هذه الأرض؛ لأن الذي يعرف أرضنا ويرى هذه الأرض يحزن ويأسف؛ لأنه لم يكن من سكانها.
فأخذني بيدي وأجلسني بجانبه، وقال: يا ولدي إن هذه الدنيا كدنياكم في كل شيء، وكلتاهما بشكل واحد، ولا فرق بين هذه وتلك، إلا أن السكان هنا أرقى من السكان هناك وأقدم منهم بالعمران؛ ولذلك تجد أننا مرتقين في كل شيء، فلا بد من أن تصل أرضكم يوما إلى ما وصلنا إليه نحن من التقدم، فنحن لم نسبقكم بهذا العمران إلا جيلا واحدا تقريبا، فإنه منذ مائة سنة لم تكن حالتنا كما هي الآن من التقدم والعمران والبساطة، فالذي يخاطبك الآن قد ذاق حلوها ومرها؛ لأنه نظر بعينه أيام الانقلاب وهو لم يزل في سن الصبوة.
فقلت: من أين لك أيها الشيخ الجليل معرفة حالة أرضنا، حتى قابلتها بحالة هذه الأرض من حيث الارتقاء والعمران؟
فأجاب: من الذين يمرون علينا من الأرواح التي كانت في أرضكم، فقد حادثت كثيرا منهم على اختلاف أجناسهم، وألسنتهم، وبلادهم، فعلمت منهم عن حالة أكثر الممالك السياسية والأدبية، فوجدت أن بعضها أوشكت أن تصل إلى ما وصلنا إليه نحن، وبعضها لم تزل كأنها باقية من عهد الخليقة متأخرة لكثرة ما يجري فيها من العسف والظلم، فمن مدة 10 سنوات تقريبا وصل إلى هنا أكثر من نصف مليون روح، وقد علمت منها أنها فارقت أجسادها بسبب القتل والفظائع، وقد نالت من الظلم والجور ما تقشعر منه الأبدان، وفي هذه السنة أيضا وصل قسم كبير كلهم يشكون مما شكاه الأولون، وقد طبق صراخهم وتظلمهم الخافقين، وكلهم يئنون من جور الحاكم الذي لولاه لكانوا سعداء في كل شيء، فبكاء العذارى والنساء والأطفال منهم قد كان أشد تأثيرا على عواطفي، حتى كنت أبكي لبكائهم، وأشاركهم ببلواهم. ولم ينته الشيخ من كلامه حتى جال الدمع في عيني؛ لأن الذين يعنيهم هم أولاد بلادي، هم إخواني في الوطنية، هم من البلاد التي قال إنها لم تزل كأنها باقية على حالها من عهد الخليقة بتأخرها وشقائها، وحق ما قال، فنظر إلي الشيخ وقال: ما بال أحوالك قد تغيرت، والدمع بلل وجنتيك، هل أنت من تلك المملكة المتأخرة؟ فسكت عن الجواب، وأخذت أمسح دموعي لعله يكتفي بهذا الجواب، ويوفر علي حديثا عن بلادي يؤلمني، تلك البلاد التي طبق ذكر مظالمها واختلالها الخافقين حتى وصل إلى أرض الهناء. صرنا والله نستحي أن ننتمي إليها ولو كنا في غير أرضنا، فأمسكني الشيخ من يدي وأخذ يقول: لا تحزن يا ولدي، فأنا علمت أنك من تلك البلاد، فلا بد من يوم ترزقكم فيه العناية حكاما مخلصين، عفيفي النفس، عادلين، ذوي شفقة على الرعية، ينهضون بكم من هذه السقطة؛ لأن قيام البلاد متوقف على أفراد من الحكام، فمتى تحولت القوة إلى يد أهل العدل والإنصاف ضغطت على الفساد وأخمدت أنفاسه.
فكل ما تنظره يا ولدي في هذه الأرض من التقدم والحضارة، وما تراه من السعادة والراحة والهناء، عائد فضله إلى أفراد قلائل، اتحدوا مع الملك الأكبر وأخلصوا الخدمة، واتخذوا العدل لهم دليلا، والمساواة هاديا، فأنقذوها من وهدة التأخر والجهل والانحطاط.
كانت أسباب الانحطاط والتأخر والشقاء كثيرة في هذه الأرض كما هي عندكم الآن، مثل طمع أرباب الأموال الذين جمعوا أموال العالم في صناديقهم، وبات أكثر العمال هم وعيالهم بحالة من الشقاء لا يمكن وصفها، ومثل انتشار المسكر الذي عم الكبير والصغير، والغني والفقير، حتى هدم أركان الأجسام، وأفسد العيال، وشوه وجه الإنسانية، فقل الزواج الشرعي، وكثر الفساد، وضعف النسل، وكثرت الأمراض المخيفة، ومثل إهمال التعليم الذي هو شر من كل ما سبق.
ولكن قد أرسلت إلينا العناية أفرادا قبضوا على القوة ونفذوها بما يعود على هذه الأرض بالخير، فألقوا الأمان أولا، ثم أوقفوا تيار مطامع أرباب الأموال عند حد معلوم، وعضدوا العمال الذين قاموا بثورات كثيرة، وقتلوا بعض أصحاب المال، فخاف هؤلاء على حياتهم فتساهلوا، وأعطوا العمال أكثر مطالبهم العادلة، كاقتصارهم على 8 ساعات عمل في الأربع والعشرين ساعة مع زيادة في المعاش، وقد اتفق على ذلك كل أرباب المعامل في أربعة أقطار هذه الدنيا، حتى لا يلحق الضرر مملكة دون أخرى بالتزاحم، وأجبرت الحكومة العمال على تحسين معيشتهم، فعمرت لهم البيوت الصالحة للسكنى، ونظمت عيشتهم على قدر ما تسمح لها الظروف، ثم وضعت ضرائب فادحة على الخمر؛ كي لا يتمكن الفقير الجاهل من معاطاتها، وأنذرت أصحاب معامل التقطير بإقفال محلاتهم بعد عشر سنين من تاريخ الإنذار، وألزمتهم أن يقللوا كمية التقطير سنة بعد سنة، حتى إذا أتت السنة العاشرة يكونون قد سلموا من الضرر الذي كان واقعا عليهم لو كانت أبطلت معاملهم بغتة، ولما نقص شرب المسكر ظهرت النتيجة الحسنة في صحة السكان، وتوفر لديهم المال الذي كان يذهب ليجلب لهم الموت العاجل، وصاروا ينفقونه فيما يعود عليهم بالنفع.
ثم ساعدت على إنشاء المدارس، وجعلت التعليم إجباريا على طريقة جديدة، فمنعت تدريس الكتب التي لا يفهمها التلميذ ولا يقبلها عقله، ووضعت قاعدة يدرس عليها التلميذ نظريا وعمليا معا، وأجبرت الجميع على تعلم مبادئ الطب قبل كل شيء، فكانوا يأتون ببعض الحيوانات التي تشرح أمام الطلبة عموما؛ لتتبين لهم مواضع الأعضاء الداخلية والأعضاء الرئيسية في الجسم، وكيفية سير الطعام وتحوله إلى دم، وكيفية الدورة الدموية في الجسم، فيشب التلميذ عارفا بكل ما يقتضي لحفظ حياته، وصيانة جسمه من الآفات والأمراض، عالما بأسرار تركيب ذلك الهيكل الإنساني، الذي يجب عليه مداراته وعدم إفنائه بالإفراط، ويصبح عارفا ما سيتأتى مثلا عن شرب الخمر من المصائب، والأمراض، وانحطاط القوة الأدبية والجسدية، ويدرك الأضرار التي ينتجها الإفراط في التدخين، كالسعال، وضعف الهضم، ورخاوة الأعصاب، والتسمم البطيء، ويهرب من البطالة والكسل؛ لعلمه ما تورث جسمه من الضعف والخمول، وما تجلبه من الفساد الذي يقصر العمر ... ويعلم أن النوم في المحلات الرطبة يورث الأمراض العصبية، ويضعف الدم، ويكمد اللون، فيتجنبها، ويمتنع عن السهر الطويل المتواصل؛ لأنه يدرك أن النوم يعوض كل ما يفقده الجسم من القوة، ويتجنب المكوث في المجتمعات مدة طويلة؛ لأنه يدرك ما ينتج عن ذلك من فساد الهواء وجلب عدوى الأمراض، ويعلم بعدئذ أضرار العزوبة فيستدرك حاله بالزواج الشرعي، ويعيش عيشة هنيئة صالحة، فيسلم من الأمراض القتالة، ولا يغفل عن الأضرار التي تتأتى من كثرة ألوان الطعام، وما يزيد منها عن حاجة الجسد من الفضلات التي تتعب الجسم وتسقمه، ويداوم غسل جسمه وتبديل ثيابه؛ لئلا يمتلئ سطحه من الجراثيم المضرة، فتذهب بقوته وجماله وبهائه.
وجعلت أيضا علم الحقوق من جملة الدروس العمومية، حتى تعم معرفته بين الناس، وليعلم الفرد ما له وما عليه من الحقوق نحو حكومته ونحو الناس ونحو نفسه، وتجبر عموم المدارس الطلبة على تعلم الصنائع والفنون كافة، حتى إذا خرج التلميذ من المدرسة يكون عضوا عاملا في الهيئة الاجتماعية لا عالة عليها.
Неизвестная страница