Прохождение по Земле Блаженства и вести из мира вечности
مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء
Жанры
خسئت أيها المنافق الغاشم، تحمل الآن العذاب المر أيها الوحش؛ لتكون عبرة لغيرك، واخفض من كبريائك وأنانيتك. انزلوا عليه أيها الجنود بسياط الغضب المحمية.
فلما نزلوا عليه صرخ المسكين: «آه دخيلك» ارحمني، أنا الخاطئ حقيقة، أنا الجاني، أنا الظالم، إنني أعترف بهذا كله، فقط ارحمني واعف عني، الآن عرفت أنني أستأهل كل عذاب، الآن تمثلت أمامي كل أعمالي الوحشية، الآن أسمع في أذني أصوات المظلومين والمنكوبين الذين كنت السبب في بلواهم، وأصوات اليتامى والقاصرين يصرخون، الآن شعرت بوخذ الضمير، أنا المسئول وحدي عن شقاء رعيتي وتأخر بلادي، أنا كنت قادرا على السير بموجب القوانين الدستورية، وعلى إبعاد الخونة المدلسين المنافقين عني، وألا أجعل ميزة بين المسلم والنصراني واليهودي والدرزي، ولكن آه من الذين كانوا يخدعونني ويزينون لي كل أعمالي ويقدسونها! آه لو كنت أظفر بواحد منهم الآن، لكنت أمتص دمه، وأشفي غليلي، وأبرد نار قلبي.
أيها المأمور العادل، أسألك أن تعفو عني وتنجيني من هذا الضرب المؤلم المميت، آمان.
فجاوبه المأمور: إن أيام الرحمة قد مضت، فلتمت الآن بعذابك أيها المجرم. فصرخ المأمور ثانيا: «تمموا القصاص أيها الجنود، وانزلوا عليه بشدة لتشفى قلوب المظلومين الذين ينظرون إليه الآن.»
آه يا أخي فنيانوس، إني لا أقدر أن أصف لك حالة هذا الملك المسكين، فيا ليته كان خسر كل ملكه وعاش حقيرا وضيعا في دنياه، ولا رأى هذا العذاب المر القاسي، إن لحمه قد نثر عن عظمه، وأصبح بحالة تقشعر لها الأبدان، وقد غاب عن الوجود من شدة الألم، ما ضره لو كان عدل في حكمه، وهدم ذلك السور الواقف بينه وبين رعيته، وتقرب منها ونادى تعالوا إلي أيها المظلومين فأنا أنصفكم! ما ضره لو كان جعل بجانبه مجلسا يستشيره في شئون الدولة! فهل كان ذلك يخفض من منزلته؟! أو جمع من أطراف البلاد أفرادا تقيمهم الرعية نوابا عنها ليساعدوه ويطلعوه على مطاليب الرعية، ويبينوا له ما تحتاجه البلاد من المشروعات النافعة.
لو كان أنفق نصف ما ينفقه على الهدايا العظيمة إلى القياصرة والملوك، على تعزيز بحرية الدولة، أو على الأقل على إشباع بطون العساكر التي أضناها الجوع والعري والمرض والويلات، لكان نهض بوطنه نهضة يستحق عليها الجزاء الحسن، أما وإنه قد اهتم لنفسه، وقال بعد حياتي لا حياة، وبدد أعظم الأموال في غير محلها، ورشا بها الجرائد العظيمة في بعض الممالك الغريبة؛ كي تمدحه وتطنب بصفاته، وضغط على حرية أصحاب الجرائد في بلاده وأخرس ألسنتهم؛ لئلا ينشروا عنه عيبا أو يكشفوا سترا؛ فاستحق هذا القصاص.
فلتعتبر ملوك الشرق وسلاطينه، وليشفقوا على رعاياهم، ويسيروا على طريق العدل، ويتقربوا من الرعية؛ ولينصفوا المظلوم من ظالمه ولا يحابوا، وليخافوا الله ويقتصروا على امرأة واحدة؛ لكي يتمكنوا من رفع منار العدل في الرعية، وينشطوا الصنائع، ويقووا الزراعة والتجارة، ويرفعوا عن عاتق الفلاح المسكين تلك المظالم التي لا تحتمل ولا تطاق، حتى لا يصيبهم ما أصاب رصيفهم من العذاب وتبكيت الضمير والشقاء الذي لا يحتمل في القصاص الابتدائي، والله أعلم كيف يكون القصاص النهائي. •••
وبعد هنيهة أتوا بشخص «كاتع رقبته مثل أبو زهرا»، فعرفته من أول نظرة، إنه راهب، ولما وقف أمام المأمور أمر له بخمس جلدات «على كعابه تكون سخنة»، فلما سمع الراهب هذا القصاص جثا على ركبتيه وقال بخشوع كلي: أي ذنب فعلته يا سيدي حتى استوجبت هذا القصاص؟ قد تركت العالم وملاذه وزخارفه، وانفردت في الدير منقطعا إلى العبادة والصوم، وبعد هذا كله أجازى بمثل هذا الجزاء.
فقال له المأمور: اصمت «يا دقن التيته»، نسيت الآن ما كنت تفعله من الأمور المغايرة للقانون الرهباني، أول كل شيء كانت قناني العرق المثلث تعد بالعشرات تحت سريرك مع توابعها، كالمحالي والمكسرات ، وكنت لا تشرب أقل من 400 درهم عرق كل يوم، أهذا من قانون الرهبنة؟! وثانيا نسيت عندما كنت تتلصص من خلف السياج «يا منقوم».
فجاوب الراهب وقال: لست أنا يا سيدي، فإنك غلطان، بل هذا أبونا الرئيس. فأجابه: أبونا الرئيس يأتي دوره، فأمره لا يعنيك، وأيضا أي شغل لك عند شركاء الدير حتى كنت أكثر الأحيان «تظمط» إلى هناك، ألا تعلم أنك تطوعت لخدمة الله والقريب، أين مواظبتك على العمل في الحقل؟ أين مواصلتك المطالعة والتنقيب في العلوم والصنائع لكي تفيد الناس بها؟ هل خلقت فقط لكي تملأ بطنك «مخلوطة وتطرق طلم» ولتمسيد الدقن، واستماع كلمة «مجد لله يا بونا»؟ الله يتمجد بالعمل لا بالكسل، الله يتمجد بضرب المعول في الحقل، وزرع البنادورة والقلقاس، لا بالقعود تحت السنديانة. الله يتمجد عندما تكون مع رفاقك الرهبان دائبين على اقتباس العلوم والمعارف لتنفعوا بها الناس، بمثل هذه الأعمال تمجد الله، لا بجمع المال وتستيف الليرات في الكمر، ماذا ينفعك المال؟ وأي لزوم له ما دمت ناذرا العفة والطاعة؟ هل أولادك يعوون من الجوع؟ كنت تحسد على الأقل رهبان الإفرنج الذين يؤسسون المدارس والمعالم والكنائس في كل مكان، ويفيدون بني البشر، ويخففون عنهم المتاعب المتأتية عن الجهل والغباوة.
Неизвестная страница