Прохождение по Земле Блаженства и вести из мира вечности
مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء
Жанры
حقا إننا في ضلال، إننا في ظلمة من الجهل، نقصف أعمارنا بأيدينا من كثرة ما «ندهور» في ذلك الزلعوم من المأكولات في وقت الطعام وفي غير وقته، سائرين على المثل المعهود: «تضر ولا تفوت.»
وفيما أنا أفكر بهذا كنت أسمع النكات اللطيفة تصدر من البعض، والضحك يخرج من الأفواه قهقهة مطربة، تدل على انبساط وانشراح وعافية.
فالتفت إلي الشيخ وقال: ما لك شديد الفكرة؟ قلت: أفكر بحالتنا في دنيانا، وحالتكم من حيث المشروبات الروحية، واقتصاركم على الماء. فأعاد علي الحديث الأول وقال: إننا كنا مثلكم من هذا القبيل، ولكن ارتقاء عقولنا ومعرفتنا التامة بما يضر وينفع، جعلانا ننبذ كل هذه الأمور القتالة ظهريا، ونتمسك بكل مفيد، ناظرين إليه نظرة حكمية حيث لا تقوى علينا ملكة من الملكات، فلا بد يا ولدي من أن يأتي يوم يصير فيه سكان أرضكم مثلنا، فإن الارتقاء زاحف كالجيوش الجرارة، وسيدوس بأرجله كل معاند، وأخيرا يسود التأخر ويلاشيه من أرضكم، وإذا وجد من يصادمه الآن فهذا سيسحق ويضمحل من أمامه.
وقبل أن ننهض عن المائدة أحضروا كمية وافرة من الفاكهة المتنوعة الأشكال والألوان، من تفاح وخوخ وعنب وتين ومشمش، وغير ذلك من الفاكهة التي يأكلها الإنسان بعينيه قبل فمه، ثم ابتدءوا يلتهمونها التهاما، فقال الشيخ: كل يا ولدي وإلا «راحت عليك»، فنحن نتشاره فقط في أكل الفاكهة، فإنها هي التي تنعش القلب، وهي التي تبل الريق وتشرح الصدر وتنقي الدم.
وبعد أن انتهينا نهض الشيخ ونهض الجميع، ثم رفعوا أياديهم ورنموا هذه الترنيمة:
نشكرك اللهم يا واجد الوجود، ومبدع الكائنات؛ لأنك أشبعتنا من خيراتك، ونسألك أن تشبع كل جائع، وتعطي كل محتاج؛ كي لا يدفع الجوع أحدا إلى الكفر بعزتك الإلهية، واجعلنا أن يحب بعضنا بعضا محبة أكيدة، وامنح أجسادنا قوة، وعقولنا رفعة؛ لنقترب منك ونسبحك تسبحة لا يدخلها رياء، ولا يمازجها غش.
بعد ذلك ذهب الكل وغسلوا أفواههم، ورجعوا إلى القاعة التي كنا فيها، حيث اجتمع كل أفراد العائلة؛ رجال ونساء، وأولاد وبنات.
قال لي الشيخ: يجب أن أعرفك بأولادي وجميع أهل البيت. فقلت له: لي الشرف الأكبر يا سيدي. فأشار إلى أحد الجلوس وقال: هذا ولدي البكر، ومهنته الزراعة، وهو الذي نظرته داخلا قبل العشاء والفأس بيده، وهو الآن جالس كالملك؛ لأنه بدل ثياب الزارع بثياب الراحة، وهذا ولده الذي بجانبه يشتغل معه في الحقل، انظر إلى وجهه الذي أكسبته الشمس لونا جميلا، ومنحته قوة ونشاطا. وهذا الآخر ولدي، وهو كاهن، ولكنه يشتغل بالتأليف وتثقيف العقول، ويعيش من تعبه، وقد تطوع بخدمة النفوس مجانا، فهو يزور المرضى، ويسلي الحزانى، ويسعى في حل المشاكل، وهو متزوج وله أربعة بنين ها هم بجانبه، ثم أشار إلى ثالث وقال: هذا مصور بارع، وهذه الرسوم التي تراها الآن على جدران هذه القاعة هي من عمله، وأولادي كلهم أصحاب صنائع، وعندي حفيد طبيب متغيب الآن في بلدة قريبة من هذه المدينة، أما البنات والنساء اللواتي تراهن أمامك فهن قرائن وبنات أولادي.
فهذه هي العائلة يا ولدي، الرجال تقضي معظم النهار بالعمل باعتدال، ولا فرق عندنا بين الزارع والصانع والتاجر والحاكم، وبين الطبيب والحائك، الكل شرفاء، ولا يوجد حقير ذليل إلا الكسلان الخامل القليل العمل، فهذا - والحمد لله - أصبح وجوده قليلا بيننا، ونساؤنا يقتصرن بأشغالهن على ما يتعلق بالبيت، ولا يتداخلن بأعمال الرجال، ولا يتعدين الحدود التي وضعتها لهن الطبيعة.
وبعد قليل نهض أحد أولاده واستأذن وخرج، ثم تبعه آخر وخرج، ولم يمض إلا القليل حتى خرج أكثر أعضاء العائلة من رجال ونساء، ولم يبق في البيت إلا أنا والشيخ وبعض الأفراد.
Неизвестная страница