" إبن أبي منصور الدمياطي ": وزير الملك الأشرف من بلغاء المائة السابعة بالديار المصرية، ومما يشفع في ذكره في هذا الكتاب قوله: صدرنا في بعض العشايا على بعض البساتين المجاورة لبحر النيل فرأينا فيه بئرًا عليه دولابان متحاذيان قد دارت أفلاكهما بنجوم القواديس، ولعبت بقلوب ناظريها لعب الأماني بالمفاليس، وهما يئنان أنين أهل الأشواق، ويفيضان دمعًا أغزر من دموع العشاق، والروض قد جلا للاعين زبرجده، والأصيل قد راقه حسنه منثر عليه سجده، والزهر قد نظم جواهره في أجساد الغصون، والسلاسل قد أزالت من سلاسل فضتها كل مصون، والنبت قد إخضر شاؤبه وعارضه، وطرف النسيم قد ركض في ميادين الزهر راكضه، ورضاب الماء قد علاه من الطل لمى، وحيات المجاري جارية تخاف من زمرد النبات أن يدركها العمى، والبحر قد صقل صقيل النسيم درعه، وزعفران العشي قد ألقى في ذيل الجوّ ردعه، فاستحوذ علينا الموضع إستحواذًا، وملأ أبصارنا حسنًا وقلوبنا إلتذاذًا، وملنا إلى الولاين شاكين أزمرًا حين شجت قيان الطير بألحانها، وشدت على عيدانها، أم ذكر أيام النعيم وطابا، وكانا أغصانًا رطابًا، فنفيا عنهما لذيد الهجوع، ورجعا للنزوع، وأضافا الدموع، طلبًا للرجوع.
" أبو العباس الغثاني ": كاتب صاحب أفريقية علم في الكتاب تعجز بلاغته ومن فصول نثره قوله: سر إلى جلس يكاد يسير شوقًا إليك، ويطير بأجنحة جواه حتى يحل لديك، فلله كماله إن طلعت بدرًا بأعلاه، وجماله إن وضحت غرة بمحياه، فهو أفق قد حوى نجومًا تتشوف إلى طلوع بدرها لتقتبس منه، وقطر قد إشتمل على أنهار تتشوق إلى بحرها المستمد منه وتأخذ الزيادة عنه، فإن مننت بالحضور، وإلا فيا خيبة السرور.
" أبو الوليد بن الحنان ": هو ممن يلحق بهذه الطبقة من بلغاء عصرنا بل يتقدمهم بقوله نحن في روض جلس أغصانه الندماء، وغمامه الصهباء، فبالله عليك إلا ما كنت لروض مجلسنا نسيمًا، ولزهر حديثنا شميمًا، وللجسم روحًا، وللطيب ريحًا، وبيننا عذراء زجاجها خدرها، وحبابها غرها، بل شقيقه حوتها كمامة، أو شمس حجبتها غمامة، إذا طاف بها معصم الساقي فورده على غصنها، أو شربها مقهقهة فحمامة على فننها، طافت علينا طوفان القمر على المنازل إذ يجول، وأنت وحياتك أكيلنا وقد آن له بالأكاليل حلول.
" علي بن سعيد ": مصنف هذا الكتاب وقع له مما يدخل في هذه الطبقة قوله: السماء قد نشرت عرار الشمس، ونثرت بنفسج الغمام، وغرست سوسن القطر في صفحة كل نهرها الإنتظار بأنداء ورد المدام.
المرقصات والمطربات
من محاسن الجاهلية إمامهم وحامل لوائهم أمرؤ القيس، من مرقصاته قوله:
كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي
وقوله:
كأن عيون الوحش خول خبائنا ... وأرجلنا الجذع الذي لم يثقب
وقوله:
سموت إليها بعدما نام أهلها ... سمو حباب الماء حالًا على حال
وقوله:
وقد أغتدي والطير في ركناتها ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل
وهذه المعاني ولد منها شعراء المشرق والمغرب، وتطارحوا في الأخذ منها، " النابغة الذبياني ": له من المرقصات وله في النعمان بن المنذر:
وإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
ومن المرقص المطرب قوله في الفرج:
وإذ طعنت في مستهدف ... رابي المحبة بالعبير مقرمد
وإذا نزعت عن مستحصف ... نزع الحزّور بالرشاء المحصد
وإذا يعض تشده أنيابه ... عض الكبير من الرجال الأدرد
وقوله للنعمان:
لا تقذفني بركن لا كفاء له ... وأن تأثفك الأعداء بالرفد
هذا وحي بالأشارة إلى إغراء أعدائه وأجتماعهم عنده في مضرته. وقوله:
كان مجرّ الرامسات ذيولها ... عليه حصير نمقته الصوانع
وقد صار قوله إمامًا لكثير من الشعراء حذوا عليه، وأقتبسوا منه، ومنه قوله:
وأنت بيع ينعش الناس سيبه ... وسيف أعيرته المنية قاطع
مما وقع له في التمثيل من المرقصات قوله:
نبئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد
ومن التشبيهات العقم ندهم قوله في طيور الحرب:
1 / 7