وبينما هو يحصل على بعض الراحة، كانت الأصوات القادمة من داخل النافذة مجرد أصوات، وبعد ذلك، حين هدأ قلبه وانحسر الألم الذي في جنبه واسترخت أطرافه المتعبة، أدرك أنه كان يتلى اسم تلو الآخر من قائمة، وأن كل اسم يمثل رجلا تناقش حالته وبناء عليها يقرر مصيره في نهاية المطاف. لكنه لم يدرك أنه مع الانتهاء من الذين تبدأ أسماؤهم بحروف الجيم والكاف واللام سيبدأ حرف الميم على الفور. لقد أقام في هذه المستشفى طويلا جدا؛ حتى أصبح يألف للغاية حجرته، والممرضات، والنظام، والرجال الذين تعرف عليهم، لدرجة أن المكان قد صار بمثابة بيته، البيت الوحيد الذي تبقى له في العالم. كان الكل طيبا معه. فهو لم يجد عيبا في الأطباء ولا الممرضات. لقد بذلوا ما في وسعهم، وبذل هو ما في وسعه؛ لكن ظلت الحقيقة أنه لم يتحسن، حتى إنه قد ثارت مؤخرا شكوك عما إذا كان على الحال نفسها منذ جاء. وعندئذ، بكل ما تسببه ضربة غير متوقعة من تأثير مفاجئ، سمع اسمه يذكر بوضوح، بتلك النبرة الباردة، المجردة التي يتحدث بها رجال أعمال يبرمون صفقة تجارية متطلعين فقط لأكبر فائدة لأكبر عدد. لم يذكر أنه قد سمع اسمه ينطق بتلك النبرات تحديدا قبل ذلك. وقد جعله هذا يشعر كأنه ليس بشرا، وإنما مجرد شيء. ثم أدرك أن الموضوع الجاري مناقشته هو التخلص من ذلك الشيء المحدد. سمع موقع تجنيده، وخدمته في الحرب، ومكافآته، ووصفا لإصاباته وهي تتلى بنبرة رتيبة جعلته يدرك أنها تتلى من سجل ما، ثم تساءل صوت أكثر نشاطا قائلا: «كم مكث ماكفارلين هنا؟»
فجاءته الإجابة: «أكثر من عام بقليل.»
ثم كان السؤال: «هل أفادته الينابيع بأي شيء؟ هل صار أفضل حالا؟»
فكانت الإجابة: «ليس كثيرا. إن جرحه عنيد؛ فهو يأبى الالتئام رغم كل ما نفعله.»
كان العرق الذي تصببه جيمي في معافرته قد جف على جسده، لكنه تدفق مرة أخرى مع السؤال التالي: «هل هو مصاب بمرض السل؟»
فكانت الإجابة: «لا. ليس بعد. لكنه في حالة تجعله عرضة للإصابة بالسل في أي لحظة. فهي بمثابة تربة خصبة تماما لنمو المرض.»
جلس جيمي ماكفارلين قابضا على ركبتيه وهو يلعق شفتيه الجافتين في انتظار سماع القرار. وقد جاء في كلمات قليلة. «أرسلوه إلى كامب كيرني.»
طوال دقيقة ظلت حمرة زهور المحارب الهندي تتوهج أمام عيني الرجل المنصت حتى لم يعد يرى شيئا سوى اللون الأحمر. طوال دقيقة ظل الغضب العارم يعتمل داخله في احتجاج مضطرم. لقد سمعهم يقولون إنه ليس مصابا بالسل، لكنه معرض بشدة للمرض المريع. وها هم يخططون لإرساله إلى مكان كل من فيه إما مصاب بالوباء، أو كان قاب قوسين من الإصابة به حتى إنه أرسل ليصبح عرضة للعدوى به، كما اقترح في حالته. هذا ليس عدلا! هذا ليس إنصافا! لقد تطوع في الجيش مبكرا ومتحمسا. لم يكن ممن استدعوا للتجنيد. وقد حارب بأقصى طاقته. وقبل كل ما واجهه دون شكوى. وتشهد الميداليات التي يرتديها بجسارته. كان سيدخل الحجرة ويخبر أولئك الأطباء برأيه فيهم وفي قرارهم القاسي.
حاول أن ينهض فوجد أنه أوهن من أن يقف على قدميه، ثم سمع الطبيب الذي تلا الأسماء وهو يعرب عن شكوى بالنيابة عنه: «أشعر أنه ليس من العدل مطلقا أن نرسل رجلا حقق إنجازات رائعة مثل ماكفارلين وهو في حالته الضعيفة تلك إلى البؤرة المعروفة بأنها منفى للمصابين بمرض السل.»
أجابه الصوت الآخر: «إذا لم يجعله قضاء عام هنا في حال أفضل، فلماذا نتوقع أن يفعل ذلك عام آخر، كل ما سنحصل عليه هو أنه سيشغل مكان ذي حالة بدنية أفضل كان سيأتي ويتعافى إن تسنت له الفرصة مثل ماكفارلين؟»
Неизвестная страница