بسم الله الرّحمن الرّحيم
عرّف السخاوي (ت ٩٠٢) التاريخ بأنّه «الوقت الذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمّة ووفات [هم]» (١) فجعل لعلم التراجم المنزلة الأولى. أمّا الحوادث والماجريات فهي منه في المحلّ الثاني: «ويلتحق به ما يتّفق من الحوادث والوقائع الجليلة». ويبرّر هذا التفضيل لفنّ التراجم، أو ما يسمّى أيضا علم الرجال أو الطبقات أو الوفيات، بحاجة المرء إلى التعرّف على تواريخ الرواة في ولاداتهم ووفياتهم، علاوة على أحوالهم الأخرى من صحّة العقل والبدن، ومدى ارتحالهم في طلب العلم من مختلف الأمصار، وتعرّضهم إلى الجرح والتعديل، حتى يعرف مقدار الوثوق بهم وبروايتهم.
والرواية المقصودة إنّما هي رواية الحديث النبويّ الشريف، فهو في نظره «أساس الإسلام، وأصل الأحكام، ومبيّن الحلال والحرام» (٢). فلا غرو أن يصبح عنده «علم التاريخ فنّ [ا] من فنون الحديث النبويّ» (٣). وقد أكّد المستشرق فرانز روزنتال، الذي اختصّ بدراسة المؤرّخين المسلمين، على هذه الصلة فقال: «كتب التراجم نشأت بدافع تدعيم علمي الحديث والفقه» (٤). ولا عجب كذلك أن يسمّى كتاب وفيات الأعيان «تاريخ ابن خلّكان». وقبله كان «تاريخ» البخاري كتاب رجال سند، وكذلك طبقات ابن سعد وطبقات خليفة بن خيّاط.
تمّ وقع التفريع والاختصاص، إمّا بحسب صنوف العلم: طبقات القرّاء- وفيات النقلة- معجم الأدباء ... وإمّا بحسب المذاهب والنحل: الحنابلة- الشافعيّة- المعتزلة- الصوفيّة ... وإمّا بحسب الأزمنة والعصور: رجال القرنين السادس والسابع (كتاب الروضتين) - البدر الطالع (ما بعد القرن السابع) - تراجم المائة الثامنة (الدرر الكامنة) - الضوء اللامع (تراجم القرن التاسع) إلخ ... وإمّا حسب الأصقاع والبلدان: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي- تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر- تاريخ نيسابور- تاريخ مكّة ...
_________
(١) الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ، نشر القدسيّ، بيروت ١٩٧٩، ص ٧.
(٢) الإعلان ص ٢٠، نقلا عن محمد بن يوسف المدني نزيل بلخ.
(٣) الإعلان ص ٤٤.
(٤) مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، تعريب أنيس فريحة، بيروت ١٩٦١ ص ١١٥.
1 / 5