Введение в изучение риторики арабов
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Жанры
وعلى الجملة فمذهب التأثير والانفعال هو عبارة عن تتبع ما تحتوي عليه الفنون لجذب القلوب إليها؛ لأن هذا في رأيهم هو معنى الجمال؛ إذ الجمال عند هؤلاء لا يتحقق ولا يكون له معنى إلا إذا وجد من النفوس ميلا، ونزل من القلوب منزلة الإعجاب. بل قال بعضهم إن الكاتب الذي لا يمكنه أن يجذب قلوب القارئين إليه، ولا يعرف أن يستولي على إحساساتهم ليملك منهم إرادتهم، ليس في كتاباته شيء من الجمال، ولا يعد من كبار الكتاب؛ لأنه لم يتسن له الوصول إلى المعاني العامة التي تلمس الأفئدة والقلوب.
النقد الأدبي عند العرب
رأينا أن النقد الأدبي في فرنسا ابتدأ وسار سيرا تدريجيا، إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن، وكانت أطواره ظاهرة ظهورا تاما، وهو تابع في طريقه وسيره لقانون الارتقاء، وأنه لم ينبت في بلاده، ولم ينشأ بين أهله، بل جاء من الاطلاع على كتب اليونان القديمة، وعلى الحركة الأدبية أيام النهضة في إيطاليا، وأنه أوجد صلة بين النقاد أنفسهم وبين آثارهم في كتاباتهم.
أما النقد الأدبي عند العرب فهو بعيد عن كل فكرة أجنبية، وعن كل أثر خارجي، وليس الغرض منه تقويم حركة العقول والأفكار، بل شرح الشعر العربي وتقرير طريقة الشعر الجاهلي؛ لتكون نموذجا ومنهجا للشعراء. وقد سار النقاد في هذا الطريق بعزم صادق، وكلهم أنصار الطريقة العربية الأولى، وساعدهم على بلوغهم ما أرادوا، مزجهم الأدب بالدين؛ فتمكنت الطريقة العربية القديمة وطريقة الخيال والتصور عند العرب من الاستيلاء على أفكار الشعراء والكتاب.
ومع أن اللغة العربية اتسعت بما دخلها من الشعر والنثر، ونتائج العقول والقرائح الكثيرة، فإن النقاد لم يتحولوا عن اتباع القديم، ولم يرق الأدب الرقي الذي كان يكون له، ولا سيما الشعر الذي هو أظهر مزايا البلاغة العربية، بل لا يزال الشعر القديم إلى الآن أرقى أنواع بلاغة العرب، وأصحها وأمتع ما فيها؛ ذلك لأن النقاد وأئمة اللغة والأدب قصروا العقول على تقليد الشعر القديم، في الطريقة والأسلوب والصناعة، وحتى في الأفكار والموضوعات ...
كان العربي يتأثر بالكلام وضروب البلاغة، وساعدته فطرته على سهولة التعبير، ونبغ في هذا النوع من الشعر الذي دعته الحاجة إليه، ولم يتجه فكره إلى الخروج عن الدائرة التي كان يعيش فيها.
ولم يكد يفهم الناس من بلاغة الشاعر وبراعته إلا ذما مقذعا، ومدحا يرفع الممدوح ويجله؛ فدخل المدح والذم في حياة البدوي، وامتزج بنفسه امتزاجا. وكان تبجيل الشاعر لا يقل عن تبجيل أعظم رجل له أعظم أثر في الحياة، وكان النظر إلى الشعر كالنظر لأكبر أعمال الإنسان في الحياة ؛ لذلك فاقت العناية بالشعر ونقده كل عناية، ولقد كان حكمهم على الشعر لا من جهة أنه أثر من آثار العقول والأفكار، بل لأنه من الأشياء الحيوية للإنسان التي تساعده على فهم حياته.
وكأنهم لم يفهموا الشعر إلا بالنسبة لأثره في الخارج، ولم يتذوقوه لما به من الأفكار أو من حيث إنه فن من فنون الجمال، بل لأنه يرفع من شأن العشيرة ويحط من قدر العدو. وعلى ذلك لم تكن البلاغة معتبرة وسيلة من وسائل تكميل النفوس، ومظهرا من مظاهر الفنون، بقدر ما كانت معتبرة آلة من آلات المدح أو الذم، أو مظهرا من مظاهر ميول الشخص وأهوائه.
ومن هنا كانت البذرة الأولى من بذور الشعر الوجداني الشخصي في بلاغة العرب، التي ملكت عقول الشعراء وخيالاتهم وصناعاتهم، ومن هنا أيضا كان سبب جفاف النقد، فقد اقتصر على الملاحظة بدون أن يغير من حركة الأدب.
ذلك لأن حركة النقد عند العرب كانت مثل حركة الأدب سواء بسواء، ليست نتيجة كد الأفهام وإعمال الفكر، فلم يكن هذا النقد من دواعي التقدم والانتقال في بلاغة العرب. وإذ كان الشعر القديم الجاهلي نموذج الشعر العربي في جميع أزمنته، كانت الحركة الشعرية ضربا من التقليد المحض في الألفاظ والديباجة، وهذا التقليد هو الذي قاد عقول الكتاب والشعراء وكان مقياسا لها. وذلك في جملته هو مثال النقد الأدبي العربي في مجموعه، وعليه بنيت كل فكرة أدبية، ولم يحاول أحد من النقاد الانحراف عن هذا الطريق، فلم يحرر الشعر من الطريقة الأولى، ولم يسلك مسلكا آخر لا من جهة الأفكار، ولا من جهة الصناعة؛ فوقف النقد أيضا في طريق واحد وثبت على حال واحدة.
Неизвестная страница