Введение в изучение риторики арабов
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Жанры
هذه الطريقة العلمية البحتة المبنية على المشاهدات والتجارب، هي التي بنى عليها تين مذهبه في نقد الأدب والبلاغة؛ لأن كل نقد عنده عبارة عن ملاحظات نفسية (بسكلوجية) علمية؛ إذ البلاغة أثر الاجتماع ونتيجة الأسباب الثلاثة التي ذكرناها؛ أي إن الأدب والبلاغة على رأي تين نتيجة لازمة لتلك الأسباب الثلاثة التي هي: الجنس والبيئة والزمن. فكان من غرض تين أن يؤسس مذهبه في النقد الأدبي على قواعد ثابتة، ويجعله علما من العلوم، وأراد أن يبنيه على الأسباب الطبعية والاجتماعية الثابتة، ويحكم على ذلك بناء على ما في الاجتماع؛ إذ لا يمكن في نظره معرفة الإنسان إلا بمعرفة هذه الأسباب الثلاثة. ولم يكن غرض تين أن يقرأ الكتب لنفسها، بل كانت دراسة الكتب لديه وسيلة لمعرفة أحوال الأمم؛ فهي بمثابة مقياس «لجس نبض» الأمم والشعوب.
7
لا شك أن الإنسان ثمرة البيئة والزمن والجنس. ولكن هذه أسباب عامة، يندمج فيها كثير من الأسباب الأخرى، وليست وحدها تؤثر في نفس الشخص وتربيته. هنالك حوادث خاصة وأحوال نفسية، واستعدادات فطرية وأمراض عقلية وعصبية، وهناك قوة وضعف في الجسم والعقل، وفي التصور والخيال، وهناك أحوال كثيرة لا تعرف إلا بدراسة الشخص نفسه منفردا، أو بعيدا عن كل المؤثرات العامة الأخرى. كل ذلك يجب اعتباره والرجوع إليه في «تحليل» نفوس الأشخاص وآثارهم العقلية والكتابية، وإنما مثل من يحكم على الشخص بمجموع ما يحيط به وباندماجه مع غيره، كمثل الطبيب يمتحن الجسم كله ليتوصل بذلك إلى الحكم على عضو خاص، بدون نظر إلى العوارض الخاصة بذلك العضو. نجد في الأمة الواحدة وفي البلد الواحد، وفي الأسرة الواحدة وفي البيت الواحد، عقولا مختلفة وأفكارا مختلفة وأميالا وأهواء مختلفة، فكيف نفسر ذلك على طريقة تين؟ الاختلافات الظاهرة في الخلق بين أخوين من طول وقصر، وبياض وسمرة، ونحافة وبدانة، واعتدال واعوجاج، توجد بنفسها في الأخلاق من حمق ورزانة، وحلم وطيش، وتوجد في أثر العقول والأفكار من ذكاء وغباوة، وقوة في الإدراك وضعف في التصور؛ ومن هنا كانت الاختلافات العظيمة بين الأفراد في الحكم والإدراك والمبادئ والعقائد وغيرها. الحق واحد لا يتغير. ولكن الخلاف في طرق الإدراك وفي النفوس واستعدادها لقبوله؛ فلا بد من مراعاة الأسباب الخاصة في معرفة الشخص، أكثر من الأسباب العامة في تكوين نفسه وإدراك حقيقتها.
من أجل ذلك يمكن أن تعتبر مباحث تين كمقدمات عامة لمعرفة الأشخاص، كما لاحظ ذلك أحد النقاد، وقال: إن هذه الطريقة واضحة في تفسير الأحوال العامة، كالحكم على شعب أو أمة بأجمعها، كما فعل تين في كتابه «تاريخ بلاغة الإنكليز»؛ إذ يصح أن يوجد في هذا الكتاب أدلة صحيحة واضحة في الحكم على الجنس السكسوني ومميزاته. ولكنا إذا رجعنا إليه وهو يبحث أو يدرس أفرادا خاصة، وجدنا أن الأوصاف التي استنتجها يصح أن تنطبق على غيرها من جنس آخر وبيئة أخرى.
هذه الطريقة في النقد هي نتيجة فلسفة تين الإيجابية، ونتيجة أفكاره المذهبية المبنية على مذهب علمي ثابت وقواعد ثابتة، وهي نتيجة انتشار مذهب أوغست كونت وأتباعه؛ فمذهب تين الأدبي هو أثر مذهبه العلمي الفلسفي، مبني على صلة الأدب بالفلسفة والعلوم، وعلى تسرب المبادئ العلمية إلى الأدب والبلاغة، وأن البلاغة أثر من آثار العلوم، ليست عبارة عن خيالات وتشبيهات فقط، بل هي مجموع أفكار الإنسان ونتائج العقول والقرائح.
ولو أردنا أن نشرح مذهب تين بتفصيل أوسع لطال بنا البحث، وربما عاد علينا ذلك بالملل؛ لأن الرجل غير معروف عندنا؛ ولأننا لم نتعود اندماج الأدب في الفلسفة، ولأن مذهبه مذهب علمي جاف لا يسوغ لنا قبوله.
البيئة وأثرها في العقول
يستمد الإنسان تصوراته، وتتربى إدراكاته على حسب ما يراه، ويحيط به من المشاهدات والمعقولات، وعلى قدر بلوغ ذلك من نفسه واستيلائه على حواسه، تكون درجة الإدراك لديه، فإذا كانت المشاهدات كثيرة مختلفة، كانت قوة الموازنة وحب الاستطلاع والرغبة في البحث أعظم وأدعى إلى نمو العقل والإدراك، وكبرت في نفسه ملكة التمييز بين الأشياء، وصار ذلك شبه خلق له؛ فيصبح وقد تربى على نوع خاص من الذكاء والملاحظة، وتشكلت نفسه وإدراكاته ومعلوماته بهذا الشكل الخاص، الذي ينبئ عن حياته العامة التي كانت له في هذه البيئة الخاصة، وكانت تصوراته وتشبيهاته مأخوذة عن ذلك، وأفكاره ومعقولاته صورة من الاجتماع الذي عاش فيه، وأثرا من آثار تلك البيئة، وباختلاف البيئة يكون اختلاف الناس في عقولهم وإدراكاتهم وتربيتهم؛ فليس من يعيش بين العلماء كمن يعيش بين الجهلاء، ولا من نشأ في بيت كريم كمن نشأ بين السوقة والسفلة.
لذلك كان من عمل الناقد أن ينظر إلى هذه الأسباب؛ ليتمكن من الحكم على آراء الكتاب والمفكرين حكما صحيحا، وليعرف أسباب المؤثرات الفعالة، فالذي عرف البلاغة «بأنها ما بلغ بك إلى الجنة وعدل بك عن النار» كان متأثرا بالبيئة الاجتماعية الدينية التي عاش فيها؛ فلا يصح أن يؤخذ هذا التعريف كما هو، وإلا ما هي الصلة بين البلاغة وبين الجنة والنار؟ والذي قال: «إن دراسة الأدب بأجمعه من تاريخ وفنون، ومن شعر ونثر، إنما هي وسيلة لفهم كتاب الله - تعالى» لا يصح أن يعد من الأدباء؛ لأن أديبا من الأدباء الذين يفهمون الأدب، ويقولون إنه صورة النفوس والعقول وحالة من أحوال الاجتماع لا يقول ذلك. وإنما هذه نتيجة التربية العقلية عند فقهاء المسلمين، الذين اشتغلوا بالأدب وجمعه وعنوا به من أجل ذلك، ونشروا هذا الرأي وأشاعوا هذه الفكرة، فأخذها الناس عنهم كما هي بدون بحث ولا نقد. وكان يمكن الرجوع إلى الأدب وبلاغة العرب لفهم ما في كتاب الله - تعالى - بدون أن يكون ذلك الغرض الفذ من دراستها. ولكن أدباءنا وأكثرهم من الفقهاء صرفوا همتهم إلى الوجهة الدينية فقط. هذا أثر للبيئة الاجتماعية وأثر اتجاه العقول والأفكار اتجاها خاصا، وهذا يفسر معنى صلة هذه الأسباب بالأدب والنقد.
الإنسان كما قلنا ثمرة البيئة الطبعية والاجتماعية، والأدب والبلاغة من شعر ونثر ومن كتابات اجتماعية وفلسفية وغيرها - من أثر العقول والقرائح - ثمرة من ثمار الإنسانية، ونتيجة تربية العقول والنفوس. فإذا كانت الأمة في مبدأ تربيتها العقلية وأول نشأتها كالطفل لا يعرف إلا ما يقع عليه نظره، ولا يدرك إلا ما يحيط به، أصبحت معلوماتها منحصرة في ذلك، وخيالاتها مقصورة على ما ترى وتسمع حولها. فإن لم تكن محبة للبحث والتنقيب ولا راغبة في الاستطلاع، بقيت في هذا النوع من التربية الأولية. وبعض الأمم يموت ويعيش وهو في شباب الحياة وطفولة التربية؛ لأن البيئة الاجتماعية لم تدفعه إلى حب الاستطلاع، ولم تولد فيه البحث في معرفة الجمال وفهمه.
Неизвестная страница