Введение в изучение риторики арабов
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Жанры
ولكن ليس كل إنسان أهلا لأن يكون بليغا؛ لأن البلاغة هبة فطرية واستعداد نفسي، فليس أصعب من أن يصل الإنسان إلى التعبير عما يرى أو يشعر، تعبيرا دالا على الحقيقة دلالة تامة؛ لأن الإنسان يتفاوت قوة وضعفا في ذلك، كما يتفاوت في إدراك المبصرات على حسب قوة نظره وضعفه. فقد يتألم آلاما شديدة تكاد تذهب بقواه، وتستولي على جميع حواسه، ومع ذلك لا يمكنه أن يفسر ما يشعر به إلا بكلمات معدودات محفوظات، يقولها أيضا من كدر صفوه إنسان لا يحب مجلسه، أو غاب عنه صديق وهو في انتظاره منذ ساعة أو ساعتين، وقد يظفر الإنسان بأمنيته، ويحصل على ضالته المنشودة، ولا يستطيع أن يعبر عما في أعصابه من الهياج، وعما في نفسه من السرور، إلا بإظهار الارتياح، وبسط الجبين، مما يحصل عند من لاقى صديقا له في الطريق فهش وبش في وجهه.
والبلاغة إما أن تكون عبارة عن إظهار ما يجول في نفس الإنسان، من عواطف وإحساسات وخيالات وغيرها، مما يدل على شخصية الكاتب أو المتكلم فحسب، وإما أن تكون صورة غير صورة نفس الكاتب أو الشاعر؛ أي صورة من الحياة العامة للإنسان - أو جزءا من تاريخ الإنسانية، كما يقولون - فالأولى هي البلاغة الوجدانية
1
والثانية هي البلاغة الاجتماعية.
هذا هو التقسيم الفني في البلاغة، وهذه هي أنواع البلاغة، وعلى حسب ما تكون البلاغة جزءا من الحياة العامة لكل إنسان وفي كل زمن، يكون الكلام أثبت، وتكون العبارة أمتع، وتكون الكتابة أبقى وأخلد؛ لأن البلاغة التي تنال من كل نفس هي التي تبقى، والأفكار التي تجد لها عند كل إنسان أذنا واعية لا تبلى، وذلك لا يكون إلا إذا صادفت شيئا عاما ينزل من كل نفس، ويصح أن يقبله كل فكر، ولا يثقل على الطبائع. وهذا هو سبب ارتياح النفوس للحكم والمواعظ؛ لأنها تنال من كل نفس وتتسرب إلى كل فؤاد، وهو السر في رأي من فضل أشعار الحكمة في مثل قول النابغة الذبياني:
ولست بمستبق أخا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب
وقدم أبا الطيب المتنبي وأبا العلاء المعري؛ لأنهم جاءوا بالحكمة في أشعارهم، وتكلموا عن بعض طبائع الإنسان وعقائده الكامنة في كثير من الأشخاص. مثل هذه البلاغة في القول تبقى ما بقي الإنسان.
2
والناظر لأول وهلة في اللغة العربية يجدها خالية من هذا النوع، الذي له أثر في نفس كل إنسان؛ لأن بلاغة اللغة العربية في جملتها تعبر عن نفس قائلها لا غير، ولا تكاد تخرج عن شعور الشاعر وتصورات الكاتب؛ لأن العواطف هي أصل الشعر العربي والباعث عليه.
Неизвестная страница