ـ[مُنْيَةُ السُّولِ في تفضيلِ الرَّسُّولِ ﷺ]ـ المؤلف: أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، الملقب بسلطان العلماء (المتوفى: ٦٦٠هـ) رواية: الحافظ شرف الدين أبي عبدالله محمد الميدومي تحقيق: د. صلاح الدين المنجد الناشر: دار الكتاب الجديد - بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، ١٤٠١ هـ - ١٩٨١ م عدد الأجزاء: ١ أعده للشاملة/ أبو إبراهيم حسانين [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

Неизвестная страница

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلاته وسلامُه على سيّدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. ورضي الله عن التابعين. قال الشيخ الفقيهُ الإمامُ العالمُ العاملُ مفتي المسلمين عِزُّ الدين أبو محمد عبد العزيز ابن عبد السلام السُّلمي رحمةُ الله عليه: قال اللهُ تعالى لنَبيّنا محمدٍ صَلَواتُ الله عليه وسلامُه، مُمْتَنا عليه، مُعَرِّفًا لِقَدْرِه (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (١١٣). وقد فَضّل الله تعالى بعضَ الرُسُلِ على بعضٍ فقال: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) (٢٥٣)، فالتفضيلُ الأوّلُ صريح في أصل المفاضلة، والثاني في

1 / 17

تَضعيف المفاضلة بدرجات. ونكّرها تنكيرَ التعظيمِ بمعنى درجات عظيمة. وقد فَضّل اللهُ تعالى نبيّنا محمد ﷺ بوجوه: أوّلها: أنَّه ساد الكُلَّ فقال صلَّى الله عليه وسم: "أنا سيِّدُ وَلَدِ آدمَ ولا فَخْر" (١). والسيّدُ مَن اتّصفَ بالصّفات العَلِيّة والأخلاق السَّنِيّة، وهذا مُشْعِرٌ بأنَّه أفْضَلُ منهم في الدارَين. أمّا في الدنيا فلِما اتّصفَ به من الأخلاقِ المذكورةِ، وأمّا فى الآخرةِ فلِأَنّ جزَاءَ الآخرةِ مُرَتّب على الأوصَاف والأخلاق. فإذا فَضَلَهُم في الدنيا في المناقب والصِّفات، فَضَلَهُم في الآخرة في المراتب والدرجات. وإنّما قال ﷺ: "أنا سيِّدُ وَلَدِ آدمَ ولا فَخْر" لِيُعَرِّف أمّته مَنْزِلتَه من رَبِّهِ ﷿. ولمّا كان مَنْ ذَكرَ مناقب نفسِه إنّما يذكُرُها افتخارًا في الغالب، أراد ﷺ أنْ يَقْطَعَ وَهْمَ مَنْ يَتَوَهَّم من الجَهَلَةِ أنَّه ذَكَرَ ذلك افتخارًا، فقال: "ولا فخرَ". _________ (١) أخرجه الترمذي، عن أبي سعيد الخدري.

1 / 18

ومنها قولُه ﷺ: "وبِيَدي لِوآءُ الحمْدِ يومَ القيامة ولا فَخْر". ومنها قولُه ﷺ: " وما مِنْ نبي يومئذ: آدَمُ فَمَنْ دونَه إلَّا تحت لوائي يومَ القيامةِ، ولا فَخْرَ.". وهذه. الخصائصُ تدلُّ على عُلُوّ مَرْتَبتِه على آدَم وغيرهِ، إذْ لا معنى للتفضيل إلَّا التخصيص بالمناقبِ والمراتب. ومنها: أنَّ الله ﷿ أخبره أنَّه غَفَر له ما تقدّمَ من ذَنْبه وما تأخر، ولم ينقل أنه أخبر أحدا من الأنبياء بِمِثلِ ذلك، بل الظاهِرُ أنَّه لم يُخْبِرهم، لأنّ كُلَّ واحِدٍ منهمِ إذا طُلِبَ منه الشفاعة في الوْقِفِ ذكر خَطيئتهُ التي أصَاب وقال: نفْسي نَفْسي. ولو عَلِمَ كُلّ واحدٍ منهم بغُفْران خطيئته لم يُوْجَل منها في ذلك _________ الترمذي، المصدر السابق، والزرقاني ٥/ ٣٩٥؛ والشفاء ٢٠٧.

1 / 19

المقام، وإذا اسْتَشْفَعَتِ الخلائقُ بالنبيِّ ﷺ في ذلك المقام قال: أنا لها. ومنها: أنَّه أوّلُ شافِعٍ وأوّلُ مُشَفَّع. وهذا يدلُّ على تخصيصه وتفضيله. ومنها: إيثارُه ﷺ على نَفْسِهِ بدَعْوَتهِ، إذْ جَعَل اللهُ لِكُلِّ نبيٍّ دعوةً مُسْتَجابةً، فكُل منهم تَعَجَّلَ دعوتَه في الدنيا، واختبأ هو، ﷺ، دعوتَه شفاعةً لأمّته. ومنها: أنَّ اللهَ أقسَمَ بحياته ﷺ، في قوله تعالى (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ). والإِقسامُ بحياة المُقْسَمِ بحياته يدُلُّ على شَرَف حياته وعِزّتها عند المُقْسِمِ بها. وإنَّ حياته ﷺ لجديرَةٌ أنْ يُقسَمَ بها، لِما كان فيها من البَرَكةِ العامّة والخاصّة. ولم يثبُتْ هذا لغَيْره.

1 / 20