٣٠- حدثنا أحمد بن عبيد، ثنا الأصمعي، عن أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير قال: حدثني الشعبي، أن زياد بن النضر الحارثي حدثه قال:
كنا على غديرٍ لنا في الجاهلية، ومعنا رجلٌ من الحي يقال له: عمرو بن مالك، معه بنيةٌ له شابةٌ على ظهرها ذؤابة، فقال لها أبوها: خذي هذه الصحفة، ثم إيتي الغدير، فجيئينا بشيءٍ من مائه، فانطلقت، فوافقها عليه جانٌ فاختطفها فذهب بها، فلما فقدناها نادى أبوها في الحي، فخرجنا على كل صعبٍ وذلول، وقصدنا كل شعب ونقب فلم نجد لها أثرًا، ومضت على ذلك السنون، حتى كان زمن عمر بن الخطاب، فإذا هي قد جاءت، وقد عفا شعرها وأظفارها وتغيرت حالها، فقال لها أبوها: أي بنية ⦗١١٣⦘ أنى كنت؟ وقام إليها يقبلها ويشم ريحها، فقالت: يا أبت أتذكر ليلة الغدير؟ قال: نعم، قالت: فإنه وافقني عليه جانٌ فاختطفني فذهب بي، فلم أزل فيهم حتى إذا كان الآن غزا هو وأهله قومًا مشركين، أو غزاهم قوم ٌمشركون، فجعل الله ﵎ عليه نذرًا إن هم ظفروا بعدوهم أن يعتقني ويردني إلى أهلي، فظفروا، فحملني فأصبحت عندكم، وقد جعل بيني وبينه أمارة إن احتجت إليه أن أولول بصوتي فإنه يحضرني. قال: فأخذ أبوها من شعرها وأظفارها وأصلح من شأنها وزوجها رجلًا من أهله، فوقع بينها وبينه ذات يومٍ ما يقع بين المرأة وبعلها، فعيرها وقال: يا مجنونة، والله إن نشأت إلا في الجن، فصاحت وولولت بأعلى صوتها فإذا هاتفٌ يهتف: يا معشر بني الحارث اجتمعوا وكونوا حيًا كرامًا، فاجتمعنا فقلنا: ما أنت رحمك الله؟ فإنا نسمع صوتًا ولا نرى شخصًا، فقال: أنا راب فلانة، رعيتها في الجاهلية بحسبي، وصنتها في الإسلام بديني، والله إن نلت منها محرمًا قط، واستغاثت في هذا الوقت فحضرت فسألتها عن أمرها فزعمت أن زوجها عيرها بأن كانت فينا، ووالله لو كنت تقدمت ⦗١١٤⦘ إليه لفقأت عينه، قال: فقلنا: يا عبد الله لك الحباء والجزاء والمكافأة. فقال: ذاك إليه، يعني الزوج، قال: فقامت إليه عجوزٌ من الحي فقالت: أسألك عن شيء؟ فقال: سلي، قالت: أن لي بنية عريسًا أصابتها حصبة فتمزق رأسها، وقد أخذتها حمى الربع فهل لها من دواء؟ قال: نعم، اعهدي إلى ذباب الماء الطويل القوائم الذي يكون على أفواه الأنهار، فخذي منها واحدة، فاجعليه في سبعة ألوان عهنٍ من أصفرها وأحمرها وأخضرها وأسودها وأبيضها وأكحلها وأزرقها ثم اقتلي ذلك الصوف بأطراف أصابعه ثم اعقديه على عضدها اليسرى، ففعلت أمها ذلك فكأنما نشطت من عقال.
1 / 112