ثم إن يعرب بن قحطان جمع بنيه وأوصاهم فقال لهم يا بني: أحفظوا مني خصالا عشرًا تكن لكم ذكرًا وذخرًا، يا بني تعلموا العلم وتحلوا به، وأتركوا الحسد عنكم ولا تلتفتوا إليه، فإنه داعية إلى القطيعة فيما بينكم، وتجنبوا الشر وأهله، فإن الشر يجلب إليكم الأشرار. وأنصفوا الناس من أنفسكم لينصفوكم من أنفسهم. وإياكم والكبرياء، فإنها تبعد قلوب الناس عنكم، وعليكم بالتواضع؛ فإنه يقربكم من الناس ويحبيكم إليهم، واصفحوا عن المسيء؛ فإن الصفح عن المسيء يحسم العداوة ويزيد السؤدد، والسؤدد مع الفضل فضل وافر، والجاه الدخيل على أنفسكم جماله جمالكم، ولئن يسوء حال أحدكم خير له أن يسيء حال جاره، لا تفتقد الناس إلا المقتدى به، وانصروا الموالي فإنهم مواليكم في الحرب والسلم، وحقهم عليكم مثل حق أحدكم على سائركم، وإذا استشاركم أحد فأشيروا عليه بما تشيرون به على أنفسكم، فإنها أمانة ألقاها في أعناقكم؛ والأمانة كما تعلمون. وتمسكوا باصطناع الرجال؛ فإنه أجدى أن تسودوا بهم غيركم، وأحرى أن يزيدكم ذلك شرفًا وفخرًا إلى آخر الدهر.
وذكر أن يشجب بن يعرب ولى الملك بعد أبيه، وثبت على هذه الوصية دون غيره من سائر اخوته وعشيرته، فساد الجميع بثباته على الوصية وحفظه إياها. قال بعض النسابين: سألت عن اخوة بنو يعرب، فقيل العمالقة الأولى من ولد إرم ابن سام بن نوح، والفئة الأخرى الذين هم سكان مكة ونواحيها من ولد يعرب واخوتهم طسم وجديس والحي من جرهم وعاد الصغرى. فكان يشجب بن يعرب قد سادها ولاء من اخوته وسائر عشيرته. ثم إن يشجب بن يعرب بن قحطان وصى بنيه فقال لهم: يا بني إني لم أسد اخوتي وعشيرتي إلا بحفظ وصية أبي يعرب بن قحطان، وبعملي بها، وبثباتي عليها؛ وإن أبي يعرب بن قحطان لم يسد اخوته وعشيرته إلا بحفظ وصية أبيه، وإن قحطان لم يسد اخوته وعشيرته إلا بحفظ وصية أبيه هود ﵇ وحفظه إياها وعمله بها، فأقيموا على ما وجدتموني عليه فهو الذي شرفني. ثم قال كلاما شعرا ذكر فيه ابنه عبد شمس، وعبد شمس ابنه هو سبأ؛ لأنه أول من سبا السبي وأسر الأسارى وبنى مدينة سبأ وسد مأرب.
وقال صاحب التيجان: إنه غزا الأقطار؛ ويقال: إنه طاف فيما بين المشرق والمغرب، يضرب الأرض العاصية حتى فتحها. وبنى مدينة عين شمس بمصر وولي عليها ابنه بليون. وكان لسبأ عدة أولاد وأشهرهم حمير وكهلان اللذان منهما الأمتان العظيمتان، ومن بنيه مسروح ذكره في العقد الفريد؛ ومسروح هذا يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وعد ابن حزم في ولده زيدان وابنه نجران، وبه سميت بلد نجران، وزاد السهيلي، ومن ولده وائل ومالك وذكروا أن سبأ ثبت على وصية أبيه يشجب وحفظها وعمل بها، فساد إخوته وعشيرته. وكان ملك الجميع وعمادهم. ويقال إنه أغار على بابل بالخيل ففتحها، وأخذ إتاوتها وضرب بالخيل والرجال في الأرض وكان لا يذكر له بلد قصدها وفتحها، وطاف مشارق الأرض ومغاربها وبذلك سمي سبأ.
وقد ذكره ابن جرير في تفسيره: قال حدثنا أبو كريب أبو أسامة؛ حدثنا الحسن أبو الحكم، حدثنا أبو سبرة النخعي، عن عروة بن مسيك القطيني رضى الله عنه أنه قال: يا رسول الله أخبرنا عن سبأ أرض هي أم امرأة؟ قال ﷺ: " ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل من العرب، ولد له عشرة من الولد، فتيا من ستة، وتشاءم أربعة، فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وعاملة وغسان، وأما الذين تيامنوا فمنهم كندة والأشعريون والأزد ومذحج وأنمار، فقال علماء النسب منهم محمد بن إسحاق؛ إسمة في الأصل عبد الشمس بن يشجب بن يعرب ابن قحطان وهو أول من بشر برسول الله ﷺ في زمانه المتقدم.
فصل
1 / 4