134
على مثلهِ آتي النّديَّ مخايلًا ... وأغمزُ سرًّا أيُّ أمريَّ أربَحُ
ويسبقُ مطرودًا ويلحقُ طاردًا ... ويخرجُ من غمِّ المضيقِ ويجرحُ
تراهً بشكّاتِ المدجِّجِ بعدما ... تقطّعُ أقرانُ المغيرَةِ تجمَحُ
شهدْتُ به في غارةٍ مسبطرَّةٍ ... يطاعنُ أولاها فئامٌ مصبّحُ
كما انتفجَتْ من الظّباء جدايةٌ ... أشمُّ إذا ذكّرتهُ الشّدَّ أفيحُ
يجمّ جمومَ الحسْي جاشَ مصيقهُ ... وجرّدهُ من تحتُ غيلٌ وأبطحُ
وقال أيضًا:
ألا يا اسلمِي لا صرمَ لي اليومَ فاطمِا ... ولا أبدًا ما دامَ وصلُكِ دائما
رمتكَ ابنةَ البكرِيِّ عنْ فرعِ ضالةٍ ... وهنَّ بنا خوصٌ يخلنَ نعائما
تراءتْ لنا يومَ الرَّحيل بواردٍ ... وعذبِ الثّنايا لم يكنْ متراكما
سقاهُ حبيُّ المزْنِ في متهلّلٍ ... من الشّمسِ روّاه ربابًا سواجما
أرتكَ بذاتِ الضَّالِ منها معاصمًا ... ووجهًا أسيلًا كالوذيلةِ ناعما
صحا قلبُهُ منها على أنَّ ذكرَةً ... إذا خطرتْ دارَتْ به الأرضُ قائما
تبصَّرْ خليلي هل ترى من ظعائنٍ ... خرجنَ سِراعًا واقتعدنَ المفائِما
تحمّلنَ من جوِّ الوريعةِ بعدما ... تعالى النّهارُ واجترعنَ الصّرائما
تحلّينَ ياقوتًا وشذْرًا وصيغَةً ... وجزعًا ظفاريًّا ودرّا توائِما
سلكنَ القرَى والجزعَ تحدَى جمالُهُمْ ... وورّكنَ قوًّا واجتزعنَ المخارِما
ألا حبَّذا وجهٌ يُرينا بياضهُ ... ومنسدلاتٍ كالمثاني فواحِما
وإنِّي لا ستحيي فطيْمة خائفًا ... خميصًا وأستحيي فطيمةَ طاعِما
وإنِّي لأستحييكِ والخرْقُ بينَنا ... مخافةَ أن تلقَى أخًا ليَ صارِما
وإنّي وإنْ كلّت قلوصي لراجمٌ ... بها وبنفسي يا فطيمَ المراجما
ألا يا اسْلَمي بالكوكبَ الطَّلْقِ فاطما ... وإنْ لم يكنْ صرفُ النّوَى متلائما
ألا يا اسلمي ثمَّ اعلمي أنَّ حاجتِي ... إليكِ فردِّي من نوالكِ فاطِما
متى ما يشأْ ذو الودِّ يصرِمْ خليلَهُ ... ويعبدْ عليهِ لا محالةَ ظالِما
وآلي جنابٌ حلفةً فأطعتهُ ... فنفسَكَ ولِّ اللَّومَ إنْ كنتَ لائما
فمن يلقَ خيرًا يحمدِ النّاسُ أمرَهُ ... ومن يغوِ لا يعدمْ على الغيِّ لائما
ألمْ ترَ أنَّ المرءَ يجذِمً كفَّهُ ... ويجشَمُ منْ لوْمِ الصَّدِيقِ المجاشِما
أمنْ حلمٍ أصبحتَ تنكتُ واجِمًا ... وقد تعتري الأحلامُ منْ كانَ نائِما
وقال أيضًا: مجزوء
لابنةِ عجلانَ بالجوِّ رسومْ ... لمْ يتعفَّيْنَ والعَهدُ قديمْ
لابنةِ عجلانَ إذْ نحنُ معًا ... وأيُّ حالٍ من الدَّهرِ تدُومْ
أضحتْ قِفارًا وقدْ كانَ بها ... في سالفِ الدَّهرِ أربابُ الهجومْ
بادوا وأصبحَتُ منْ بعدِهمْ ... أحسبُني خالدًا ولا أريمْ
يا ابنةَ عجلانَ ما أصبرَنِي ... على خطُوبٍ كنحْبٍ بالقدومْ
كأنَّ فيها عقارًا قرقفًا ... نشَّ من الدَّنِّ فالكأسُ رذومْ
في كلِّ ممسىً لها مقطرَةٌ ... فيها كباءٌ معدٌّ وحميمْ
لا تصطلِي النّارَ باللَّيلِ ولا ... توقظُ للزّادِ بلْهاءُ نؤومْ
أرَّقنِي اللّيْلَ برقٌ ناصبٌ ... ولمْ يعنِّي على ذاكَ حمِيمْ
من لخيالٍ تسدَّى موهنًا ... أشعرنِي الهمَّ فالقلْبُ سقيمْ
وليلةٍ بتُّها مسهِرَةٍ ... قدْ كرَّرتها علَى عينِي الهمومْ
لم أغتمضْ طولَها حتّى انقضتْ ... أكلؤُها بعدَ ما نامَ السَّليمْ
تبكي على الدَّهْرِ والدَّهرُ الذي ... أبكاكَ فالدَّمعُ كالشَّنِّ هزيمْ
فعمركَ اللهَ هلْ تدرِي إذا ... لمتَ في حبِّها فيمَ تلومْ
تؤْذي صديقًا وتبدي ظنّةً ... تحرقُ منها وسهمًا ما تشِيم
كمْ منْ أخي ثروةٍ رأيْتُهُ ... حلَّ على مالهِ دهرٌ غشومْ
ومن عزيزِ الحمَى ذي منعةٍ ... أضحى وقدْ أثّرَتْ فيهِ الكلومْ
بينا أخو نعمَةٍ إذْ ذهبتْ ... وتحوَّلَتْ شقوةٌ إلى نعيمْ
وبينما ظاعنٌ ذو شقّةٍ ... إذْ يحلُّ رحْلًا وخفَّ المقيمْ
أوس بن غلفاء

1 / 134