وقول ابن المعذل أجودها لأنه شرط أن عطاءه فوق المنى ولأنه لا يعطي مبتدئًا ولا معاودًا إلا وهو معتذر، وأبو تمام يشترط هذا الشرط إنما ذكر فقال) بذل محسن أو عذر مذنب (ولم يقل إن عطيته فوق المنى وقد يستحق المعطي اسم المحسن بأقل إعطاء ويجوز أن يعتذر لعلمه بقلة العطية وبيت ابن المعذل أرجح لفظًا وإن كان في بيت أبي تمام مطابقة مليحة ولم يحصل لأبي الطيب غير أنه يعطيك ولم يجد العطية بقلة ولا كثرة فإن أعجلته أعطاك واعتذر وما يقع اعتذاره بعد الإعجال إلا لأمرين أحدهما أنه أحوجك إلى المسلة أو قلة ما حضره من العطاء كما حكي أن شاعرًا أعجل بعض الأمراء وهو عبد الله بن طاهر فدفع إليه ما أمكنه أن يجود به وكتب إليه:
أعجلتنا فأتاكَ عاجلُ برّنا ... قلًاّ، وإنْ أمهلتَنا لمْ يَقلْلِ
فَخُذ القليلَ وكنْ كأنَّك لمْ تَسلْ ... وَنكون نَحْن كأنَّنا لمْ نَفْعَلِ
ومن أعتذر بعد الإكثار أولى ممن اعتذر بالكرم من إعجال أو تقصير، فعبد الصمد أولى بشعره ممن أخذ منه.
وقال المتنبي:
ويَرى التَّعظُّم أنْ يُرَى مُتَواضِعًا ... وَيَرى التَّواضُعَ أنْ يُرى مُتَعظِّما
أخذه من قول أبي تمام:
تَعَظَّمْتَ عَنْ ذاكَ التَّعظُّم مِنْهُمُ ... وأَوْصاكَ نُبْلُ القَدْرِ إلا تَنبَّلا