بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
[مُقَدّمَة الشَّارِح]
الْحَمد لله المفرج للركب عقب الشدَّة المنجي لخلص عباده من غياهب الظُّلم الْمعدة وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيد الْأَنَام وعَلى آله وَصَحبه الْكِرَام
وَبعد: فَهَذَا مَا اشتدت إِلَيْهِ حَاجَة المتفهمين " للمنفرجة " قصيدة الإِمَام الْعَلامَة الحبر الْبَحْر الفهامة الْعَارِف بِاللَّه الربانب أبي الْفضل يُوسُف ابْن مُحَمَّد بن يُوسُف التوزري الأَصْل الْمَعْرُوف بِابْن النحوى، على مَا قَالَه الْعَلامَة أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن أبي زيد البجائى شارحها، أَو أبي عبد الله بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الأندلسي الْقرشِي على مَا قَالَه الْعَلامَة تَاج الدّين السبكى فِي طبقاته مَعَ نَقله الأول عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن على التوزرى الْمَعْرُوف بِابْن المصرى رحمهمَا الله، ونفعنا ببركاتهما.
من شرح يحل ألفاظها وَيبين مرادها ويكشف لطلابها نقابها على وَجه لطيف ومنهج منيف لخصته من الشَّرْح الْمشَار إِلَيْهِ، وَغَيره، مَعَ تَبْدِيل وَتغَير لما يحْتَاج إِلَى تَحْرِير وَالله أسأَل أَن ينفع بِهِ وَأَن يَجعله خَالِصا لوجهه.
1 / 39
وسميته ب " الأضواء الْبَهْجَة فِي إبراز دقائق المنفرجة ".
وَهِي من الْبَحْر السَّادِس عشر الْمُسَمّى بالخبب الَّذِي تَركه الْخَلِيل وَغَيره، وأثبته الْأَخْفَش وَغَيره.
وتفصيله: فاعلن. ثَمَان مَرَّات، وسمى بالخبب، لقصر أَجْزَائِهِ، وتقطيع أبياته؛ يحاكى فِي السّمع ركض الْخَيل وخببها. . وزحافه " الخبن " وَهُوَ: حذف الثَّانِي السَّاكِن. . وَإِن سكنت عينه، فَقيل: بالإضمار بعد الخبن، وَقيل: بِالْقطعِ، وَقيل: بالتشعيث على مَا هُوَ مُبين مَعَ الصَّحِيح مِنْهَا فِي مَحَله، وَهَذِه القصيدة سَمَّاهَا الشَّيْخ تَاج الدّين
1 / 40
السبكى ب " الْفرج بعد الشدَّة " قَالَ: وهى مجربة لكشف الكروب، وَأَن كثيرا من النَّاس يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُشْتَمِلَة على " الِاسْم الْأَعْظَم " وَأَن مَا دعى بهَا أحد إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ. قَالَ: وَكنت أسمع الإِمَام الْوَالِد إِذا أَصَابَهُ أزمة ينشدها.
وَالظَّاهِر أَن ناظمها ابْتَدَأَ لفظا وخطا ب " بِسم الله الرَّحْمَن " أَو بِالْحَمْد لله؛ لخَبر " كل أَمر ذى بَال لَا يبتدأ فِيهِ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم "، وَفِي رِوَايَة: ب (الْحَمد لله) فَهُوَ " أَجْذم ": أَي مَقْطُوع الْبركَة.
ثمَّ قَالَ مُخَاطبا لما لَا يعقل بعد تَنْزِيله منزلَة من يعقل، كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿... يَا أَرض ابلعى ماءك وَيَا سَمَاء أقلعي ... .﴾ .
1 / 41
١ -
(اشْتَدِّي أزْمَةَ تَنْفَرِجِي ... قَدْ آذَنَ لَيْلُكِ بِالْبَلَجِ)
اشتدي أزمة أَي الشدَّة وَهُوَ مَا يُصِيب الْإِنْسَان من الْأُمُور المقلقة من الْأَمْرَاض وَغَيرهَا تنفرجي بِالْجَزْمِ جَوَابا لِلْأَمْرِ أَي تذهبي بِمَعْنى يذهب همك عَنَّا قد آذن بِالْمدِّ وَفتح الْمُعْجَمَة أَي أعلم ليلك بالبلج أَي ضِيَاء الصُّبْح وَهُوَ اسْتِعَارَة لِلْفَرجِ لاشْتِرَاكهمَا فِي الإذهاب والتحصيل لِأَن الضياء يذهب الظلمَة والفرج يذهب الْحزن وَيحصل بِكُل مِنْهَا السرُور وَخص اللَّيْل بِالذكر لاشتداد الكرب فِيهِ واستعقابه للضياء وَهُوَ كِنَايَة عَن الكرب لِأَنَّهُ لَازم لَهُ كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان﴾ أَي خَافَ ربه وَبِمَا تقرر علم أَنه لَيْسَ المُرَاد حَقِيقَة أَمر الشدَّة بالإشتداد وَلَا نداءها بل المُرَاد طلب الْفرج لتزول الشدَّة لَكِن لما يثبت بالأدلة أَن اشتداد الشدَّة يسبب الْفرج كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿إِن مَعَ الْعسر يسرا﴾ وَقَوله ﴿وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث من بعد مَا قَنطُوا﴾ وَقَوله
وَإِن الْفرج مَعَ الكرب وَإِن مَعَ الْعسر يسرا أمرهَا وناداها إِقَامَة للسبب مقَام الْمُسَبّب. . وَفِيه تَسْلِيَة وتأنيس بِأَن الشدَّة نوع من النِّعْمَة لما يَتَرَتَّب عَلَيْهَا
1 / 43
وَقد للتحقيق وللتقريب لِأَنَّهُ طلب من الشدَّة انفراجها بمضمون الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا طلبت مِنْك ذَلِك لتحقيق حُصُوله وقربه عِنْد اشتدادك. . وَإسْنَاد الْإِعْلَام إِلَى اللَّيْل مجَاز عَقْلِي كَمَا فِي أنبت الرّبيع البقل وليله قَائِم وَفِي الْبَيْت من أَنْوَاع البديع وبراعة المطلع وهى سهولة اللَّفْظ وَحسن السبك ووضوح الْمَعْنى وتناسب المصراعين وَعدم تعلق الْبَيْت بِمَا بعده وبراعة الِاسْتِهْلَاك وهى أَن يكون المطلع دَالا على مَا بنيت عَلَيْهِ القصيدة وَنَحْوهَا كَمَا بنى قصيدته على بَيَان سلوك الْآخِرَة بتصفية الْقلب ورياضة النَّفس إِذْ مَضْمُون الْبَيْت أَن الشدَّة يعقبها الْفرج فقد أنبأ عَن قَصده لِأَن سلوك طَرِيق الْآخِرَة فِيهِ على النَّفس أعظم مشقة يعقبها أتم فرج والاقتباس وَهُوَ أَن يضمن الْكَلَام شَيْئا من الْقُرْآن أَو الحَدِيث خَاصَّة لَا يُنَبه على أَنه مِنْهُ وَهُوَ هُنَا فِي المصراع الأول فقد روى أَنه من الحَدِيث والطباق فِي المصراعين وَهُوَ أَن يجمع بَين أَمريْن مُتَقَابلين كَمَا جمع
1 / 44
بَين الاشتداد والانفراج وَبَين اللَّيْل وَالنَّهَار وَعطف على الْجُمْلَة السَّابِقَة قَوْله
1 / 45
٢ -
(وَظَلاَمُ اللَّيْلِ لَهُ سُرُجٌ ... حَتَّى يَغْشَاهُ أَبُو السُّرُجِ)
(وَظَلامُ اللّيْلِ لَهُ سرُجٌ)
وهى الْكَوَاكِب غير الشَّمْس يَمْتَد نورها
(حتَّى يَغْشَاهُ أبُو السُّرُج)
وهى الشَّمْس وَجعلت أَبَاهَا لِأَنَّهَا الأَصْل إِذْ بنورها يذهب نور تِلْكَ وَلِأَن نور الْقَمَر الَّذِي هُوَ أقوى من نور بَقِيَّة الْكَوَاكِب الليلية مُسْتَفَاد من نورها على مَا قَالَه أهل الْهَيْئَة وَالْمرَاد أَن الكروب الشَّدِيدَة لابد فِي أَثْنَائِهَا من ألطاف تخف مَعهَا الآلام حَتَّى يتفضل الله تَعَالَى بالفرج التَّام الَّذِي لَا ألم مَعَه وَلَا كرب كالليل المظلم جعل الله فِيهِ الْكَوَاكِب يقل بهَا ظلامه ويخف بهَا قَبضه حَتَّى يدْخل النَّهَار فَيذْهب بظلامه وتنبسط النَّفس بضوئه وَفِي الْبَيْت الجناس التَّام وَهُوَ أَن يتَّفق اللفظان فِي أَنْوَاع الْحُرُوف وأعدادها وهيآتها وترتيبها ورد الْعَجز على الصَّدْر وَهُوَ إِعَادَة اللَّفْظَة بِعَينهَا أَو مَا تصرف مِنْهَا فِي آخر المصراع الثَّانِي بعد ذكرهَا فِي صَدره أَو فِي حشوه أَو فِي الأول وَكِلَاهُمَا فِي سرج مَعَ السرج وَعطف على الْجُمْلَة السَّابِقَة أَيْضا قَوْله
1 / 46
٣ -
(وَسَحَابُ الخَيْرِ لَهَا مَطَرٌ ... فَإِذَا جَاءَ الِإبّانُ تَجِى)
وسحاب الْخَيْر وَهُوَ الْغَيْم لَهَا وفى نُسْخَة لَهُ مطر فَإِذا جَاءَ الإبان وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد الْمُوَحدَة الْوَقْت وَالْمرَاد وَقت السَّحَاب تجى بِالْقصرِ للْوَقْف أَي السَّحَاب لما سلى ذوى الشدائد ورجاهم بِأَنَّهَا وَإِن عظمت فَفِي أَثْنَائِهَا ألطاف تمتد إِلَى الْفرج التَّام أَشَارَ إِلَى الْحَث على الْتِزَام الصَّبْر فِي أزمنة تِلْكَ الشدائد لِأَنَّهَا لَا تَنْقَضِي إِلَّا بِانْقِضَاء زمانها وَلَا يَأْتِي الْفرج إِلَّا فِي زَمَانه الْمُقدر كالسحاب الَّذِي يكون عَنْهَا الخصب بنزول الْمَطَر فِي وَقت مقدّر لَا يتَقَدَّم وَلَا يتَأَخَّر فالعاقل لَا يَسعهُ إِلَّا الصَّبْر وَالتَّسْلِيم لله تَعَالَى وَحسن الظَّن بِهِ وَلَا يَنْفَعهُ الْجزع لِأَنَّهُ منحة للقلب بِلَا فَائِدَة. . وَفِيه سخط الرّب وَلَعَلَّ الْفَوَائِد فِي الشدائد قَالَ تَعَالَى ﴿وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم﴾ وَقَالَ ﴿فَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَيجْعَل الله فِيهِ خيرا كثيرا﴾ وَقَرِيب من هَذَا قَول الشَّافِعِي ﵁
(ولربّ حَادِثَة يضيق بهَا الْفَتى ... ذرعًا وَعند الله مِنْهَا الْمخْرج)
1 / 47
(ضَاقَتْ فَلَمَّا استحكمت حلقاتها ... فرجت وَكنت أظنها لَا تفرج)
وَقَول غَيره
(توقع صنع رَبك سَوف يَأْتِي ... بِمَا تهواه من فرج قريب)
(وَلَا تيئس إِذا مَا نَاب خطب ... فكم فِي الْغَيْب من عجب عَجِيب)
وَفِي الْبَيْت رد الْعَجز على الصَّدْر وَهُوَ فِي جَاءَ وتجي
1 / 48
وَعطف على الْجُمْلَة أَيْضا قَوْله
1 / 49
٤ -
(وَفَوَائِدُ مَوْلاَنَا جُمَلٌ ... لِسُرُوحِ الأَنْفُسِ وَالمُهَجِ)
فَوَائِد مَوْلَانَا أى ناصرنا تَعَالَى وَهُوَ جمع فَائِدَة وَهِي مَا حصل من الْأَشْيَاء النافعة فِي الدّين وَالدُّنْيَا يُقَال مِنْهُ فادت لَك فَائِدَة أَي أتتك جمل أَي كَثِيرَة من أَنْوَاع لَا تحصى قَالَ تَعَالَى ﴿وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها﴾
(لِسُرُوحِ الأنْفُس والُمهَجِ)
بِالسِّين والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ من سرحت الدَّابَّة سروحا بِالْغَدَاةِ ضد الرواح بالْعَشي أَي لسروح الْأَنْفس والإرواح لطلب مَنْفَعَة معاش أَو معاد وَالْإِضَافَة فِيهِ من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف كسحق عِمَامَة أَي الْأَنْفس والأرواح السوارح وَفِي رِوَايَة بالشين الْمُعْجَمَة أَي عطاياه تَعَالَى كَثِيرَة معدة لشرح الْأَنْفس والأرواح بإذهاب أحزانها فَكيف ييئس الْعَاقِل عِنْد اشتداد الأزمة وَقد روى البُخَارِيّ خبر مَا يُصِيب الْمُؤمن من وصب وَلَا نصب وَلَا حزن حَتَّى الْهم يهمه إِلَّا كفر الله بِهِ سيئاته وَخبر مَا من مُسلم يشاك بشوكة فَمَا فَوْقهَا إِلَّا كتب الله لَهُ بهَا دَرَجَة ومحيت عَنهُ بهَا خَطِيئَة وَخبر من يرد الله بِهِ خيرا يصب مِنْهُ وكل ذَلِك مَبْنِيّ على الصَّبْر وَهُوَ أَرْبَعَة أَنْوَاع ١ - صَبر على الطَّاعَة ٢ - صَبر عَن الْمعْصِيَة وهما أساس طرق الاسْتقَامَة
1 / 50
٣ - صَبر عَن فضول الدُّنْيَا وَهُوَ أساس الزّهْد ٤ - صَبر على المصائب والمحن وَهُوَ أساس الرضى وَالتَّسْلِيم لله تَعَالَى وَحسن الظَّن وَهُوَ أشق الْأَنْوَاع على النَّفس فَلذَلِك أفرده النَّاظِم بِالذكر فرجى أَولا بِانْقِضَاء الشدَّة. . وآنس النَّفس بالمحن ثَانِيًا وَأمر بِالصبرِ ثَالِثا كَمَا تقرر ثمَّ أَشَارَ إِلَى كرمه تَعَالَى وَكَثْرَة عطاياه لمن طلبَهَا من بَابهَا على وَجههَا بِالصبرِ وَالْأَدب وَحسن الظَّن والمهج جمع مهجة قَالَ الْجَوْهَرِي وَهِي الدَّم وَقيل دم الْقلب وَقيل الرّوح وَهُوَ المُرَاد هُنَا كَمَا شرحت عَلَيْهِ وَالْمَشْهُور أَن الرّوح هِيَ النَّفس فالمسوغ لعطفها عَلَيْهَا اخْتِلَاف اللَّفْظ كعطف رَحْمَة على صلوَات فِي قَوْله تَعَالَى ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة﴾ وَحَقِيقَة الرّوح. . لم يتَكَلَّم عَلَيْهَا النَّبِي
فنمسك عَنْهَا وَلَا نعبر عَنْهَا بِأَكْثَرَ من مَوْجُود قَالَ الْجُنَيْد وَغَيره الخائضون
1 / 51
فِيهَا اخْتلفُوا فَقَالَ جُمْهُور الْمُتَكَلِّمين إِنَّهَا جسم لطيف شفاف حَيّ لذاته سَار فِي الْبدن كَمَاء الْورْد فِي الْورْد وَاحْتج لَهُ بوصفها فِي الْأَخْبَار بالهبوط والعروج والتردد فِي البرزخ وَقَالَ كثير مِنْهُم إِنَّهَا عرض وَهِي الْحَيَاة الَّتِي صَار الْبدن بوجودها حَيا وَقَالَت الفلاسفة وَكثير من الصُّوفِيَّة إِنَّهَا لَيست بجسم وَلَا عرض وَإِنَّمَا هِيَ جَوْهَر مُجَرّد قَائِم بِنَفسِهِ غير متحيز مُتَعَلق بِالْبدنِ للتدبير والتحريك غير دَاخل فِيهِ وَلَا خَارج عَنهُ وَفِي الْبَيْت الإيغال وَهُوَ ختم الْكَلَام بِمَا يُفِيد نُكْتَة يتم الْمَعْنى بِدُونِهَا وَهِي فِي المهج وَعطف على جمل قَوْله
1 / 52
٥ -
(وَلَها أَرَجٌ مُحْيٍ أَبَدًا ... فَاقْصُدْ مَحْيَا ذَاكَ الأَرَجِ)
وَلها أَي للفوائد أرج من أرج الطّيب أرجا وأريجا إِذا فاح وانتشر مُحي بِضَم الْمِيم من الْإِحْيَاء وَهُوَ إِعْطَاء الْحَيَاة وَهِي صفة تَقْتَضِي الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية أَي مُحي النُّفُوس الزكية بِأَن يُحْيِيهَا الله بِهِ أبدا أَي دَائِما فاقصد محيا بِفَتْح الْمِيم من الْحَيَاة أَي فأت زمَان أَو مَكَان ذَاك الأرج وَالْمرَاد قصد ذَاك الأرج الشريف فِي زَمَانه أَو مَكَانَهُ إِلَّا أَنه كني عَنهُ بِقصد محياه أَي زَمَانه أَو مَكَانَهُ لِأَنَّهُمَا لَا زمَان لَهُ وَالْمعْنَى الَّذِي ذكره منتزع من كتاب الله تَعَالَى كَقَوْلِه ﴿وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا وَاتَّقوا لفتحنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض﴾ وَقَوله ﴿وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب﴾ وَفِي الْبَيْت رد الْعَجز على الصَّدْر وَقد مر والتتميم وَهُوَ أَن يُؤْتِي فِي كَلَام لَا يُوهم خلاف المُرَاد بفضله لنكتة وَهُوَ هُنَا فِي أبدا
1 / 53
والجناس المحرف وَهُوَ مَا اخْتلفت كَلِمَاته فِي هَيْئَة الْحُرُوف وتوافقت فِي نوعها وعددها وترتيبها وَهُوَ هُنَا فِي مُحي ومحيا وَإِذا امتثلت أَمْرِي
1 / 54
٦ -
(فَلَرُبَّتَمَا فَاضَ المحْيَا ... بِبِحُورِ المَوْجِ مِنَ اللُّجَجِ)
فلربتما أَي وَقت فاض أَي كثر فِيهِ الْمحيا بِفَتْح الْمِيم أَي مَكَان الْحَيَاة بحور الموج وَهُوَ الْمُرْتَفع من المَاء من أجل اللجج جمع لجة وَهُوَ مُعظم المَاء شبه الْمحيا فِي كَثْرَة الْأَنْوَار والمعارف بواد فِيهِ مَاء ملأَهُ وارتفع على جوانبه وَالْجَامِع بَينهمَا الْمَحَلِّيَّة وَهِي كَون الْوَادي محلا للْمَاء والمحيا محلا للأنوار والمعارف وطوى ذكر الْمُشبه بِهِ وأتى بلازمه وَهُوَ الْفَيْض فتشبيه الْمحيا بالوادي اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَات الْفَيْض لَهُ اسْتِعَارَة تخييلية ثمَّ ذكر أَن الفائض من ذَلِك الْمحيا بحور بِمَعْنى أَنه انبسط على الْجَوَارِح وَسَائِر الْجَسَد من الْمحيا الْمُشبه بالوادي أنوار عَظِيمَة وأسرار كَثِيرَة شَبيهَة فِي كثرتها وانتشارها وتراكمها بالبحور. . وَهَذَا تشيبه آخر فِي الفائض على حد الِاسْتِعَارَة الْأَصْلِيَّة المصرحة ثمَّ رشحها بالموج واللجج مُبَالغَة وإلحاقا لَهَا بِالْحَقِيقَةِ حَتَّى يَبْنِي عَلَيْهَا مَا يَبْنِي على الْحَقِيقَة وَحَاصِل الْمَعْنى أَنَّك إِذا امتثلت الْأَمر الْمَذْكُور فقد غمرك فضل الله فِي الدَّاريْنِ فيفيض عَلَيْك خيرا كثيرا كالبحور المتلاطمة أمواجها من كثرتها وَفِي رب سَبْعُونَ لُغَة ضم الرَّاء وَفتحهَا مَعَ تَشْدِيد الْبَاء وتخفيفها مَفْتُوحَة فِي الضَّم وَالْفَتْح أَو مَضْمُومَة فِي الضَّم. . كل من السِّتَّة مَعَ تَاء التَّأْنِيث سَاكِنة أَو مَفْتُوحَة أَو مَضْمُومَة أَو مَعَ مَا أَو مَعهَا
1 / 55
بأحوال التَّاء أَو مُجَرّدَة مِنْهَا. . فَذَلِك ثَمَان وَأَرْبَعُونَ وَضمّهَا وَفتحهَا مَعَ إسكان الْبَاء كل مِنْهُمَا مَعَ التَّاء مَفْتُوحَة أَو مَضْمُومَة أَو مَعَ مَا أَو مَعَهُمَا بحالتي التَّاء أَو مُجَرّدَة فَذَلِك ثنتا عشر. . وربتما بِضَم الرَّاء وَفتحهَا كل مِنْهُمَا مَعَ إسكان الْبَاء أَو فتحهَا أَو ضمهَا مُخَفّفَة أَو مُشَدّدَة فِي الْأَخيرينِ. . فَذَلِك عشرَة فالجملة سَبْعُونَ وَإِن نظرت إِلَى تَحْرِيك التَّاء بِالْكَسْرِ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْبِير من عبر فِيهَا بتحريكها بدل فتحهَا زَادَت اللُّغَات على ذَلِك سِتا قَالَ ابْن هِشَام وَلَيْسَ مَعْنَاهَا التقليل دَائِما خلافًا لِابْنِ درسْتوَيْه وَجَمَاعَة. . بل ترد للتكثير كثيرا وللتقليل قَلِيلا انْتهى وَقيل لَا تدل على شَيْء مِنْهُمَا إِلَّا بقرينه وَفِي الْبَيْت الائتلاف وَهُوَ الْجمع بَين المتناسبات لَا بالتضاد وَهُوَ فِي الموج واللجج والإيغال والتتميم وَقد مر وهما فِي قَوْله من اللجج
1 / 56
ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ
1 / 57
٧ -
(وَالْخَلْقُ جَمِيعًا فِي يَدِهِ ... فَذَوُو سَعَةٍ وَذَوُو حَرَج)
والخلق بِمَعْنى الْمَخْلُوق حَالَة كَونه جَمِيعًا أَي مجموعا فِي يَده أَي قوته أَو نعْمَته فذوو سَعَة أَي يسَار وذوو حرج أَي ضيق وَفِي نُسْخَة من ذِي سَعَة أَو ذِي حرج نبه بذلك على جلال الله وَكَمَال إحاطته بعالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة وبفضيلة لَا يعلم كنهه إِلَّا الله قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا يعلم جنود رَبك إِلَّا هُوَ﴾ وَدلّ تَنْوِين سَعَة وحرج على تنويعهما وتكثيرهما. . فيشملان الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالْعلم وَالْجهل والجاه وَغَيرهَا وسعة بِفَتْح سينها لفظا وَكسرهَا تَقْديرا لِأَن الْمُضَارع مِنْهَا بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُ فتح لحرف الْحلق وَأَصلهَا وسعة بِكَسْر الْوَاو فأعلت تبعا للمضارع بِحَذْف الْوَاو لوقوعها فِيهِ بَين يَاء مَفْتُوحَة وكسرة مقدرَة وَفِي الْبَيْت الْجمع والتفريق وَهُوَ أَن يجمع شَيْئَانِ فِي حكم ثمَّ يفرق بَينهمَا كَمَا جمع النَّاظِم الْخلق فِي نُفُوذ قدرَة الله تَعَالَى فيهم ثمَّ فرق بَينهم بِأَن فصلهم إِلَى موسع عَلَيْهِ ومضيق عَلَيْهِ والتتميم وَقد مر وَهُوَ فِي جَمِيعًا والطباق وَقد مر وَهُوَ فِي المصراع الثَّانِي والترديد وَهُوَ أَن تعلق لَفْظَة بِمَعْنى ثمَّ بآخر كَمَا علق ذَوُو أَولا بِالسَّعَةِ وَثَانِيا بالحرج وَمِنْه قَوْله تَعَالَى ﴿حَتَّى نؤتى مثل مَا أُوتِيَ رسل الله الله أعلم﴾
1 / 58
وَقَوله ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب الْجنَّة هم الفائزون﴾
1 / 59