فكلمة ماروني غير محتاجة إلى تعريف، وهي تعني ما تعنيه - أي كاثوليكي - غير محتاجة إلى هذا النعت كغيرها من الطوائف الشرقية الأخرى، ولعل هذا هو الذي حمل الكاتب العظيم فرح أنطون أن يقول في جريدته «الجامعة» - التي أصدرها في نيويورك:
الطائفة المارونية دولة في قلب دولة؛ فهي لا تخضع لبابا رومية إلا بالإيمان الكاثوليكي، ولا للدولة العثمانية في إدارتها الداخلية.
وهو كذلك، ولكن الغرباء عن أورشليم يحسبون الموارنة الذين اشتهروا بالطاعة العمياء لرؤسائهم يقادون لرومية بخيط قطن، وما دروا أن صراع البطاركة من أجل استقلال طائفتهم الديني كان مستمرا منذ كان كرسيهم في يانوح وميفوق وغيرها من قرى بلاد جبيل. فهذا البطرك يوسف حليب العاقوري يعقد سنة 1644م مجمع حراش - نسبة إلى دير حراش في كسروان - ويرشق بالحرم الكنائسي الكهنة اللاتين، الذين يقدمون على سماع اعترافات الموارنة، ومناولتهم القربان المقدس من غير تفويض من البطريرك، وحرم أيضا الموارنة الذين يقتبلون هذين السرين المقدسين من أيدي أولئك الكهنة.
ورفعت رومية صوتها محتجة على عمل البطريرك الماروني، وأرسل مجمع نشر الإيمان المقدس رسالة إلى القاصد الرسولي أمره فيها أن ينذر بطرك الموارنة، أنه ما كان له ولا عليه أن يتعدى حق الكرسي الرسولي، ويرشق بالحرم الموارنة عند أخذهم الأسرار من مرسلي الكرسي الرسولي «المشرق سنة 29، ص838 و839».
أرأيت أنه منذ القديم ورومية تمد يدها إلى شئون الموارنة الداخلية ، وبطاركة الطائفة يقولون لها: «لميها. نحن في هذا مستقلون، ولا سلطان لك علينا فيه.»
ورأت رومية أن تقيد استقلال الموارنة، فأرسلت إليهم واحدا منهم هو السيد يوسف سمعان السمعاني الحصروني، العلامة الماروني الأشهر ، فجاء مستنابا عن البابا؛ ليضع دستورا دينيا للطائفة المارونية، فكان ذلك، وعرف هذا الدستور بالمجمع اللبناني، وهو يعترف باستقلال الموارنة في انتخاب بطريركهم، وسيامة أساقفتهم وكهنتهم، وإدارة كنائسهم وأوقافهم، وأبقوا لقداسة البابا حق منح البطريرك - بعد ثبوت صحة انتخابه - درع التثبيت «الباليون»، وللبطريرك السلطة المطلقة في إدارة طائفته لا يرجع إلى رومية إلا بما أعطاها المجمع من حقوق دينية كبرى.
وظلت رومية تمد يدها عند سنوح الفرص، وكان كل بطرك واقفا لها بالمرصاد.
وفي عهد البطرك إلياس الحويك، سام قداسة البابا، الخوري نعمة الله بو كرم مطرانا، وهذا من حقه؛ لأن المجمع اللبناني أجاز له سيامة مطران ماروني على بلدة طليانية، ومع ذلك سخط البطرك إلياس وقعدت جفونه، واستقبل المطران في جبيل بغضب، ولم يعطه يده ليقبلها، بل سحبها من يد المطران بعدما استلمها، وتركه جاثيا مع المطران دريان الذي جاء معه للحصول على رضا البطريرك.
كان ذلك في بيت الشيخ بان الخازن، مدير جبيل، حيث كنا مدعوين للغداء مع صاحب الغبطة.
غضب البطرك إلياس لأن رومية سامت أسقفا ولم تنبئه، فلم يشأ الاعتراف به، وظل ذاك المطران العلامة الفاضل كالغريب في طائفته؛ لأن الموارنة عدوا سيامته اعتداء على استقلالهم.
Неизвестная страница