Munasabat al-Ayat wa al-Suwar
مناسبات الآيات والسور
Издатель
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Жанры
الأصلي، وقد جعلوا هذا الحبل أشتاتًا في ظنونهم وهو بحمد الله متين ﴿لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فيؤوله كل فريق حسب ظنه، ويحرف طريق الكلام عن متنه وبالنظام يتبين سمت الكلام، فينفي عن آيات الله أهواء المبتدعين وانتحال المبطلين وزيغ المنحرفين، الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، والذين يقطعون كلام الله عما بين يديه ومن خلفه ويضمون إليه ما يعجب هوى نفوسهم.
والثاني:
أني رأيت الملحدين قد طعنوا في القرآن من جهة سوء النظم ورأيت جمهور علماء المسلمين - عوض الشهادة بالحق والمنافحة عن حقيقة كتاب الله - قد تفوهوا بمثل ما قالوا ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ وقد علمت حق اليقين أن قولهم باطل وحجتهم داحضة فلم يسعني أن أسكت وأرى الباطل قد عمت بلواه وبلغ السيل زباه.
الثالث:
أنه لا يخفى أن نظم الكلام بعض منه فإن تركته ذهب بعض معناه، فإن للتركيب معنى زائدًا على أجزاء الأشتات فلا شك أن من حرم فهم النظام، فقد حرم حظًا وافرًا من الكلام ويوشك أن يشبه حاله بمن قبله من أهل الكتاب كما أخبر الله تعالى عنهم: ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ وأخاف أن تكون هذه العداوة والبغضاء التي نراها في المسلمين من هذا النسيان فلا تهدأ عداوتهم ولا يرجعون من اختلافهم وسبب ذلك ما ذكرنا في الأمر الأول؛ لأننا إذا اختلفنا في معاني كلامه اختلفت أهواؤنا، وصرنا مثل أهل الكتاب، غير أن رجاءهم كان بهذا النبي وهذا القرآن الذي يرفع اختلافهم وأما نحن فليس لنا إلا هذا الكتاب المحفوظ".
وهكذا فإن علم النظام الذي اكتشفه الفراهي علم جامع ليس كعلم المناسبة الذي كان مركزًا لأفكار السلف ومطمحًا لأنظارهم؛ لأن التناسب إنما هو جزء من أجزائه والنظام شيء زائد عليه بل أوسع منه وأعم فعلم النظام لا يظهر التناسب وحده بل يجعل السورة كلامًا واحدًا،
10 / 47