Монадология и начала рациональной природы и божественной благодати
المونادولوجيا والمبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي
Жанры
ومع هذا فليس الدليل الأنطولوجي في نظر ليبنتز بالدليل الوحيد على وجود الله، ولا هو الدليل القاطع عليه. فهو يقول بدليل «بعدي»
Aposteriori
آخر يقوم على الحدوث أو على إمكان الأحداث في العالم. فكل ما يحدث في العالم، وكل ما يوجد فيه، ممكن؛ أي إن عدم وجوده أمر ممكن من الناحية المنطقية. فإذا وجد في الواقع شيء كان من الممكن ألا يوجد، فلا بد أن يكون هناك سبب كاف جعله يوجد بدلا من أن يكون عدما، فما هو هذا السبب؟ سواء فسرنا الأحداث الممكنة بأسباب متناهية، أو رحنا نبحث عن تفسير لها في مجال اللا متناهي، فلن نزيد في الحالين على تقديم أسباب أو علل هي بدورها أسباب ممكنة. ولن يتسنى لنا بهذه الطريقة أن نعثر على سبب كاف للممكنات أو الحادثات. لا بد إذن أن يوجد هذا السبب الكافي خارج سلسلة العلل والأسباب الممكنة، ولا بد أيضا ألا يكون هو نفسه ممكنا ولا حادثا؛ أي لا بد أن يكون جوهرا ضروريا. هذا الجوهر الضروري هو الذي نسميه الله. ولا شك أن تفسير ليبنتز هنا مختلف كل الاختلاف عن تفكير أولئك الذين يلجئون إلى الله، ويصطنعونه اصطناعا لعجزهم عن المضي بتفكيرهم إلى غاية مقنعة، أو يأسهم من قصور العقل البشري الذي تعب من عناء السفر، فألقى مراسيه عند أقرب مرفأ! ولعل الله في هذه الحالة أن يكون أشبه «بالإله الآلة»،
15
الذي كان كتاب المسرح اليوناني والروماني يلجئون إليه لإنهاء المسرحية وحل الأزمة الدرامية التي عجزوا عن السير بها إلى حل طبيعي نابع من تطور الأحداث نفسها. لم يفعل ليبنتز شيئا من هذا، بل ظل على إخلاصه للحقيقة مهما طال الطريق. ولم يكن الله عنده مجرد فرض يرضي مطالب الفكر الذي يريد الراحة والعزاء في المطلق، ولا كان حلقة أخيرة في سلسلة من الأسباب الممكنة، وإنما هو «السبب الكافي» الذي يجعل كل حلقة من حلقات السلسلة ممكنة، بحيث يستطيع الفكر أن يصل إليه إذا انطلق من أية حلقة منها.
ويقيم ليبنتز دليله على وجود الله على الحقيقة، مثله في هذا مثل أفلاطون والقديس أوغسطين. فإذا كانت الحقائق خالدة وثابتة، فإن ليبنتز لا يستنتج من ذلك وجود إله يكون هو المبدأ الخالد الثابت لهذه الحقائق. وإنما ينهج طريقا آخر يدل على طابع تفكيره. فهو يستنتج من واقعية الأفكار (أو المثل) الخالدة والحقائق الأبدية التي نعتمد عليها ضرورة وجود علة أو سبب لهذه الواقعية. إن إمكان الأفكار - أي إمكان تصورها - وضرورة الحقائق الأبدية ليسا إلا صورة من صور الواقع، ولا بد أن يكون مصدر هذا الواقع موجودا بالفعل، ولا بد أن يكون ضرورة الأفكار والحقائق نفسها. ويعبر ليبنتز عن هذا الدليل في الفقرتين رقم 43 و44 من المونادولوجيا. ولو قرأنا هاتين الفقرتين وتأملنا الدليل جيدا لأدركنا أن وصف فلسفته بالمثالية الواقعية أو المثالية الموضوعية لم يكن وصفا بعيدا عن الصواب. فإثبات وجود الله على أساس الحقيقة هو الوجه المقابل لإثبات وجوده على أساس الحدوث أو الإمكان، وبينما ينطلق الدليل الأخير من الطابع الفعلي والواقعي للممكن، نجد الدليل الأول ينطلق من واقعية الضروري.
يؤمن ليبنتز بأن وجود الله فوق كل شك. إن الله هو مصدر الحقائق الأبدية الخالدة، وهو كذلك خالق العالم الممكن والإمكان الذي هو صفة العالم لا يعني أن هذا العالم يمكن ألا يوجد فحسب، بل يعني أيضا أن العالم يمكن أن يكون مختلفا عما هو عليه بالفعل. ويعتقد ليبنتز أن هناك عددا لا نهاية له من العوالم الممكنة (والإمكان هنا ينصرف كما قدمنا إلى إمكان التصور)، ولو سأل سائل: لماذا اختار الله هذا العالم بالذات من بين العوالم الممكنة التي لا حصر لها لكان سؤاله في حاجة إلى جواب؛ إذ لا بد أن يكون هناك سبب كاف لهذا الاختيار، شأنه في ذلك شأن كل شيء آخر. ويعتقد ليبنتز أنه يستطيع أن يقدم الجواب؛ فالعقل الإلهي في رأيه قد تحقق من أن عالما واحدا من بين العوالم الممكنة، وعالما واحدا فحسب، هو أفضلها جميعا، ولهذا شاءت إرادة الله أن تختار هذا العالم الأفضل، تمشيا منها مع قانون الأصلح والأفضل.
هكذا يصل ليبنتز إلى فكرته المشهورة عن أفضل عالم ممكن. وهي الفكرة التي طالما أثنى عليها البعض، وسخر بها البعض الآخر مر السخرية! ولقد كانت الفكرة ملائمة لذوق العصر الذي نشأت فيه مع بداية القرن الثامن عشر. فقد نسي الناس حرب الثلاثين وما جرته على أوروبا من كوارث وويلات، واستوى «الملك الشمس» لويس الرابع عشر على عرش فرنسا المترفة المزدهرة، وشاع تفاؤل عصر التنوير في شرايين الحياة العقلية والروحية. غير أن كارثة رهيبة كانت تقف لهذا التفاؤل بالمرصاد. فقد فوجئ الناس في سنة 1755م بزلزال لشبونة المشهور، الذي قتل فيه أكثر من ثلاثين ألف إنسان. ولا بد أن هذه الكارثة قد حفرت آثارها العميقة في الروح الأوروبية، وزعزعت تفاؤلها وإيمانها الأعمى بانتصار العقل. وقد استوحى فولتير روايته الفلسفية «كانديد» (1759م) من هذا الحادث، فكانت سخرية عضت تفاؤل ليبنتز بأنيابها الحادة! والواقع أن شعار «التفاؤل الميتافيزيقي» الذي أطلق على نظرية ليبنتز عن أفضل العوالم الممكنة قد يبرر البواعث النفسية التي أدت إليها، ولكنه لا يصل إلى جذورها. لم يكن ليبنتز بطبيعة الحال معصوب العينين عما يجتاح العالم من شر وبؤس وعذاب وموت، ولكنه كان يعتقد أننا لن نستطيع أن نقدم سببا كافيا يبرر وجود هذا العالم، إلا إذا كان هو أفضل عالم ممكن. وقد يسأل سائل: ولماذا لا تبحث عن هذا السبب الكافي في إرادة الله الحرة؟ وحرية الإرادة فكرة رحبة متعددة الجوانب والأبعاد. ولا شك أن إحساس ليبنتز بها - كإحساسه بالموت والشقاء البشري - كان يفتقر إلى النبض الإنساني، ولكنه ظل على كل حال متسقا مع فكره ومنطق مذهبه. فهو يميل إلى جانب القانون والرياضة والمنطق. وإذا بدا لأحد أن يضع الحرية في مقابل الخضوع للقانون، وجدناه يميل لهذا الجانب الأخير. وما من شك في أنه سيرفض أن يترك الأمر في خلق العالم أو عدم خلقه لإرادة الله، وسيرفض كذلك أن يترك لها الشأن في خلقه على هذا النحو أو ذاك. فمن رأيه أن الله لم يكن ليخلق غير هذا العالم الذي خلقه بالفعل. صحيح أن هناك عددا لا ينتهي من العوالم المختلفة الممكنة، ولكن يجب ألا ننسى ما قلناه من أن الإمكان هنا يعني إمكان تصورها من الناحية المنطقية، لا من ناحية التحقق الفعلي. فالعالم الموجود بالفعل هو العالم الوحيد الذي يمكن تحققه في الواقع، بحيث لا يختلف عما هو عليه بالفعل، وبحيث لا يشتمل على كل ما نعرفه فيه من أفراد وأحداث. فليبنتز إذن يبارك كل ما هو موجود وكل ما هو واقع، لا لسبب إلا لأنه ضروري، ولأنه كان حتما أن يوجد على الصورة التي وجد عليها. ولا بد أن القارئ قد لاحظ في هذا الرأي شيئا من التمجيد للجانب التاريخي من الوجود. ولا بد أنه لاحظ أيضا أن الشر والألم والموت لن تكون إلا خيوطا غريبة على نسيج التجانس والاتساق والانسجام الكلي، أو أنغاما قليلة ناشزة في سياق اللحن الأزلي الرائع، وربما يسأل: ألا تكون حرية الفرد مهددة في هذا العالم الذي هو أفضل عالم ممكن؟ الحق أن ليبنتز يتحدث عن الحرية البشرية حديثا ملؤه الدفء والإخلاص، ولكننا لو نظرنا إلى هذا الحديث في إطار المذهب العام لفقد كثيرا من قدرته على الإقناع. ومن يدري؟ فربما يعزينا قليلا أن حرية الله والإنسان كليهما مهدد بالخضوع الشامل للقانون!
رأينا من قبل أن ليبنتز ينظر للعقل الإنساني نظرته «لصورة الألوهية»، بل إنه ليعده «إلها صغيرا». وقد دفعه على هذا الرأي المثالي النبيل ما وجده في هذا العقل من نشاط يتمثل في تقدم العلوم وازدهارها، ولكن هذا الرأي دفعه من ناحية أخرى إلى إقامة علاقة خاصة بين الله والعالم. وها هو ذا يرجع إلى فكرة القديس أوغسطين المشهورة عن «مدينة الله» لتوضيح هذه العلاقة. ويكفي أن نقرأ ما يقوله عن ذلك في المونادولوجيا (84-86): «وهذا هو الذي يجعل العقول قادرة على الدخول مع الله في نوع من الحياة الجماعية، بحيث لا يكون الله بالنسبة إليها كالمخترع بالنسبة لآلته فحسب (كما هو الحال بالقياس إلى علاقة الله بسائر المخلوقات)، وإنما يكون كذلك كالأمير بالنسبة لرعاياه، بل كالأب بالنسبة لأبنائه. من هذا نستنتج بسهولة أن مجموع العقول يؤلف بالضرورة مدينة الله؛ أي أكمل مدينة ممكنة في ظل أكمل الحكام. إن مدينة الله هذه، هذه المملكة الكلية بحق، هي عالم أخلاقي داخل العالم الطبيعي، وهي أسمى أعمال الله وأكثرها ألوهية.»
الإنسان إذن هو شريك الله في «مدينة الله»، أو في «مملكة العناية». ليس مجرد كائن طبيعي، بل هو شخص قادر على الحب وجدير به. وليس أجمل من كلام ليبنتز نفسه تعبيرا عن هذه الصلة الحميمة بين الله والإنسان. فقد كتب إلى صديقته وراعيته الأميرة صوفي في الرابع من نوفمبر سنة 1696م رسالة يقول فيها: إن العقل الإنساني قادر على معرفة الله، وهذه المعرفة هي الأساس الذي تقوم عليه رسالتنا الأخلاقية والحضارية: إن أسمى العقول (الأرواح) جميعا هي التي تملك القدرة على فهم الحقائق السرمدية، ولا تكتفي بتمثل العالم تمثلا غامضا، بل تفهمه وتحصل على أفكار واضحة عن خيرية الجوهر الأسمى وعظمته. ومعنى هذا ألا تكون مرايا للعالم وحسب (فكل الأرواح كذلك)، وإنما تزيد على هذا فتكون مرايا تعكس خير ما فيه؛ أي الله ذاته، وهذه هي ميزة العقول، وهي التي تعينها على حكم الموجودات الأخرى - باعتبارها صورة الله. (د) ملامح عامة
Неизвестная страница