Короли таиф и взгляды на историю ислама
ملوك الطوائف ونظرات في تاريخ الإسلام
Жанры
وعلى أثر مقتل ذلك الغاصب لم يستطع البربر أن يخفوا صيحات الفرح والسرور التي كانت تتصعد من أعماق صدورهم. ووقع الاضطراب الشديد بين الجنود، فأركن الصقالبة إلى الفرار مخافة أن يصيبهم مثل ما أصاب زعيمهم المقتول، وأسرع فارسان من القتلة إلى مالقة ينهبان الأرض على جواديهما، ولما بلغا المدينة أخذا يصيحان بأعلى صوتهما: «بشراكم، بشراكم: لقد قتل المتوثب الغاصب.»
ثم أدركا صاحب شرطة «نجاء» فأردياه قتيلا، وعمدا إلى إدريس شقيق حسن فأخرجاه من السجن، وأقاماه خليفة، ومن ذلك الحين طويت صحيفة من تاريخ الصقالبة في مالقة، على أن السكينة التي استتبت فيها، والطمأنينة التي لابستها زمنا لم تدم طويلا.
لم يكن إدريس الثاني في الحقيقة قوي الدهاء كبير العقل، ولكنه كان وديع النفس، كريم الخلق، طيب القلب، خيرا تقيا، يصرف جميع أوقاته في عمل البر وفعل الخير، ولو أن الأمر كان بيده وحده لما بقي في بلاده رجل واحد يئن من الفقر ويشكو الحاجة، وقد مكن المنفيين والمبعدين - مهما كانت جنسياتهم وأحزابهم - من العودة إلى أوطانهم، ورد إليهم ما أخذ من أملاكهم، وما كان يصيخ بسمعه إلى الوشايات والسعايات. وكان جوادا سمحا ينفق على الفقراء والمعوزين كل يوم خمس مئة دوكا، وكان - لرقة طبعه وسذاجة قلبه - يعطف على عامة الشعب، ويميل إلى التحدث إليهم، ولا يحجب جواريه عنهم، مما تنبو عنه تقاليد الملك ورسوم الخلافة. •••
ولما كان «الحموديون» من سلالة الرسول
صلى الله عليه وسلم
فقد كان عامة الشعب يرفعونهم إلى درجة التقديس، ويرونهم في أعينهم كأنصاف آلهة. ولكي يزيدوا من عقيدة الشعب رسوخا، ويكسبوا محبتهم، ويشعروا قلوبهم المهابة والاحترام لهم، كانوا يظهرون أمامهم في الأوقات القليلة النادرة، وقد حاطوا أنفسهم بالأسرار.
وكان إدريس - على ميله إلى البساطة والتحرر من التقاليد المرعية - يضطر إلى أن يأخذ بالقواعد التي سنها سلفه من الخلفاء، ومن ذلك أنه كان يختفي عن عيون محدثيه فلا يكلمه إنسان إلا من وراء حجاب. ولكونه مثال البساطة المجسمة كان ينسى هذا التقليد، ويغفل هذه السنة التي درج عليه سلفه، فقد حدث يوما أن شاعرا من «إشبونة» كان ينشده قصيده يمتدح فيه كرمه، ويشيد بطيب عنصره، وشرف أرومته، وكرم محتده، وقد جاء فيه بلهجة أهل الجهات الغربية من جزيرة الأندلس قوله:
وكأن الشمس لما أشرقت
فانثنت عنها عيون الناظرين
وجه إدريس بن يحيى بن علي
Неизвестная страница