Мухтасар Тухфа Исна Ашарийя
مختصر التحفة الاثني عشرية
Исследователь
محب الدين الخطيب
Издатель
المطبعة السلفية
Место издания
القاهرة
Жанры
Религии и учения
والجواب عنه أولا بالنقض بأنه لو تم دليلكم فكانا عقليين لكان العقل أيضا بلاء وقتنة لا نعمة ورحمة ولو باعتبار بعض الأفعال كالشرك وكفران النعمة، لأن المجنون والصبي في رفاهية لعدم صحة مؤاخذتهم بشئ مما يفعلونه، ثم بعد حصول العقل لهم يصيرون في عذاب أبدي ببعض تلك الأفاعيل، فأية فائدة في إعطائهم إلا الإهلاك والتعذيب، فصار العقل بلاء على الإنسان، هذا خلف، لأن الله تعالى يمن بإعطائه على عباده في تنزيله حيث قال ﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون﴾ و﴿قل هو الذي أنشاكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون﴾ و﴿علم الإنسان ما لم يعلم﴾ (١) وغيرها من الآيات، فما هو جوابكم عن هذا فهو جوابنا عن ذلك. ثانيا بالمعارضة بأنه لو لم يكونا شرعيين لكان إرسال الرسل عبثا باعتبار بعض الأفعال الذي هو أعظم قدرا وأشد خطرا، وكان الأنبياء يدعون الناس أولا إلى فعله وتركه لأن العقل يكون مستبدا في إدراك حسن بعض الأفعال كالإيمان وقبح بعضها كالكفر بالضرورة أو بالنظر على هذا التقدير لا محالة، والعاقل يمكنه العمل بما يقتضيه عقله بل يجب فلا فائدة معتدا بها في إرسال الرسل إلا في بعض الأفعال التعبدية. وثالثا بمنع بطلان اللازم كون إرسال الرسل بلاء وفتنة وهو باعتبار مشاق التكاليف لا ينافي كونه رحمة من وجه آخر باعتبار تهذيب النفس وإصلاح المعاد والمعاش بما قال الله تعالى ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن﴾ لأن تلك الكلمات وهي الخصال الثلاثون المحمودة المذكورة في سورة براءة والمؤمنين والأحزاب مع كونها رحمة وقع البلاء بها وبما قال الله تعالى ﴿وبلوناهم بالحسنات والسيئات﴾ أي بالنعم والنقم ﴿لعلهم يرجعون﴾ إذ لو كان المنافاة بين البلاء والحسن لما صح ابتلاؤهم بالحسنات.
ورابعا بمنع الملازمة لأن ما ذكر من صيرورة بعض العباد بعذاب أبدي بعد مجئ الرسل إنما هو لتركهم اتباعهم دون الإرسال وهو شرط لتحقيق نفس الترك لا موجب له،
_________
(١) قال ابن كثير في تفسيرها: «أول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات، وهن أول رحمة رحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة، وأن من كرمه تعالى أن علم الإنسان ما لم يعلم فشرفه وكرمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة، والعلم تارة يكون في اللسان وتارة يكون في الكتابة بالبنان ...». تفسير ابن كثير: ٤/ ٥٢٩.
1 / 76